وبذلك يظهر أن ما ذكروه في هذا المقام - من أنه إذا كان بمنزلة عقد التمليك لم يكن العبرة بالمجلس بل بالمقارنة، وإن جعل بمنزلة التوكيل لم يكن المجلس أيضا معتبرا بل يجوز مع التراخي - لا معنى له، بل إن الذي ينبغي أن يقال بناء على ما قالوه من صحة التخيير: إن هذا حكم برأسه والمجلس فيه أثر على الوجه المتقدم في الأخبار بالتقريب الذي شرحناه. وأما بناء على ما قلناه من عدم القول بذلك، فإن الوجه فيه أنه حيث كان العامة القائلون بهذا القول قد اشترطوا فيه هذا الشرط خرجت الأخبار مصرحة به وفاقا لهم.
الثالث: يشترط في هذا التخيير عند القائل به ما يشترط في صحة الطلاق من استبراء المرأة وسماع الشاهدين وغير ذلك، وهل يكفي سماعهما نطقها خاصة، أو يعتبر سماعهما نطقهما معا؟
قال في المسالك: ظاهر الرواية والفتوى الأول، وأن الفراق يقع بمجموع الأمرين فيعتبر سماعهما من الشاهدين، فينزل حينئذ منزلة الخلع حيث يقع البذل من جانبها والطلاق من جانبه، وإن اختلفا في كون الطلاق هنا من جانبها ويحتمل الاكتفاء بسماع اختيارها، لأن الفراق إنما حصل به، ولهذا لو ردته أو اختارته لم يقع، فيكون ذلك بمنزلة تفويض الطلاق إليها، فلا يشترط إلا سماع ما دل على الطلاق لا سماع ما هو بمنزلة الوكالة فيه، انتهى.
أقول: اتفقت النسخ على لفظ الأول في قوله " ظاهر الرواية والفتوى الأول " ومنها نسخة بخط المصنف - رحمة الله عليه - والأنسب في التعبير إنما هو الثاني عوض لفظ الأول لأن العبارة المتقدمة كما ذكرناه هو أنه هل يكفي سماعهما نطقها خاصة أو يعتبر سماعهما نطقهما معا؟ والأول منهما هو الاكتفاء بسماع نطقها خاصة، والثاني هو سماعهما نطقهما معا، والذي ادعاه من النص والفتوى ورتب عليه الكلام بقوله " وأن الفراق يقع بمجموع الأمرين.. إلخ " إنما يتجه على الثاني، ويدلك على ذلك أيضا قوله أخيرا " ويحتمل الاكتفاء