كبرهان قاطع على أن الرسول (صلى الله عليه وآله) كان يقطع الاقطاع، وكانت طبيعة هذه المنح ومدى اتساعها مجالا للمبالغات أحيانا وللتبخيس أحيانا أخرى لعدم وجود أي مذكرات تفسيرية توضح الظروف التي تمت فيها، ولضعف الحاسة النقدية عند متأخري الرواة الذين آل إليه تراث الاسلام في عهده الأول، وكان عليهم التنقيب في ثناياه وتفسير أسراره (1)...
... والسؤال الهام هو: على أي أساس أقطعت هذه المناطق أو أقطع بعضها؟
فقد دخل بلال في الاسلام في العام الخامس الهجري وكانت قبيلته مزينة من أوائل القبائل العربية التي ساندت محمدا (صلى الله عليه وآله)، ولذلك لا نستطيع تفسير ما قام به الرسول في هذا المقام على أن هذا الاقطاع سبيل لتأليف بلال أو كسبه لجانب المسلمين وما كان الرسول (صلى الله عليه وآله) ليسلب حقوق الآخرين لصالح فرد واحد هو بلال في هذه الحالة، وتضع العبارة التي تختم بها الوثيقة: " ولم يعطه حق مسلم " حدا لكل تكهن حول هذه النقطة بالذات وتجعل هذا الاقطاع محدود المدى إلى حد كبير.
والواقع أن كل الإشارات المتعلقة بالقبلية توضح أن الأراضي البور التي لا زرع فيها ولا استصلاح هي المعنية، وهذا ظاهر في موضوع المعادن أي المناجم التي لا ندري عن عددها شيئا، والشرط في حالة العقيق هو استصلاح الأرض البور للزراعة... ومن الجائز أن بعض هذه المناطق الممنوحة لبلال لم تكن منحا جديدة، وإنما كانت مجرد تأكيد لممتلكات سابقة أقرها الرسول (صلى الله عليه وآله) في يده، فقد كان النبي (صلى الله عليه وآله) يضمن كتب الأمان التي يصدرها للافراد والجماعات كما رأينا من قبل ما يملكون من أرض، وقد يرد في بعض الحالات اسم زعيم القبيلة أو الوفد وحده على رأس الوثيقة، ولكن ليس معنى ذلك أن كل ما يرد في الوثيقة يخصه هو شخصيا وحسب، بل إن كل أفراد القبيلة الآخرين لهم عين الحقوق التي يعطيها