لماذا ترك رسول الله (صلى الله عليه وآله) الكتاب؟
ينقل لنا التاريخ أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) لما سمع هذه الكلمة، ثم سمع كثرة اللغو واللغط حتى علت الأصوات قال (صلى الله عليه وآله): قوموا عني ولا ينبغي عند النبي التنازع أو الذي أنا فيه خير مما تدعوني إليه فيخطر بالبال سؤال وهو: أنه لم ترك رسول الله (صلى الله عليه وآله) الكتابة في هذا المجتمع من المهاجرين والأنصار ولم يكتب ولم يستشهد على الكتاب؟
قال العلامة المحقق السيد شرف الدين: " وإنما عدل عن ذلك لأن كلمتهم تلك التي فاجأوه بها اضطرته إلى العدول، إذ لم يبق بعدها أثر لكتابة الكتاب سوى الفتنة والاختلاف من بعده في أنه هل هجر فيما كتبه - والعياذ بالله - أو لم يهجر؟ كما اختلفوا في ذلك وأكثروا اللغو واللغط نصب عينيه، فلم يتسن له يومئذ أكثر من قوله لهم: قوموا كما سمعت، ولو أصر فكتب الكتاب للجوا في قولهم هجر، ولأوغل أشياعهم في إثبات هجره - والعياذ بالله - فسطروا بها أساطيرهم وملأوا طواميرهم ردا على ذلك الكتاب وعلى من يحتج به.
لهذا اقتضت حكمته البالغة أن يضرب (صلى الله عليه وآله) عن ذلك الكتاب صفحا، لئلا يفتح هؤلاء المعارضون وأولياؤهم بابا إلى الطعن في النبوة - نعوذ بالله وبه نستجير - وقد رأى (صلى الله عليه وآله) أن عليا وأولياءه خاضعون لمضمون ذلك الكتاب سواء عليهم أكتب أم لم يكتب، وغيرهم لا يعمل به ولا يعتبره لو كتب، فالحكمة والحال هذه توجب تركه، إذ لا أثر له بعد تلك المعارضة سوى الفتنة كما لا يخفى " (1).