ورجل ثالث سمع من رسول الله (صلى الله عليه وآله) شيئا أمر به ثم نهى عنه وهولا يعلم، أو سمعه ينهى عن شئ ثم أمر به وهولا يعلم، فحفظ منسوخه ولم يحفظ الناسخ، ولو علم أنه منسوخ لرفضه، ولو علم المسلمون إذ سمعوه منه أنه منسوخ لرفضوه.
ورجل آخر رابع لم يكذب على رسول الله، يبغض الكذب (1) خوفا من الله تعالى، وتعظيما لرسوله، ولم يسه، بل حفظ ما سمع على وجهه، فجاء به كما سمع، لم يزد فيه ولم ينقص منه، وعلم الناسخ من المنسوخ، فعمل بالناسخ ورفض المنسوخ؛ فإن أمر النبي (صلى الله عليه وآله) مثل القرآن ناسخ ومنسوخ، وخاص وعام، ومحكم ومتشابه، قد كان يكون من رسول الله (صلى الله عليه وآله) الكلام له وجهان: كلام عام، وكلام خاص، مثل القرآن، وقال الله عز وجل في كتابه: (ما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا) (2) فيشتبه على من لم يعرف ولم يدر ما عنى الله به ورسوله، وليس كل أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان يسأله عن الشيء فيفهم، وكان منهم من يسأله ولا يستفهمه، حتى أن كانوا يحبون أن يجيء الأعرابي والطارئ فيسأل رسول الله (صلى الله عليه وآله) حتى يسمعوا " (3).
ويدخل في قوله (عليه السلام): " سمع شيئا لم يحفظه على وجهه " مع قوله: " إن في الحديث عاما وخاصا " ما كان عاما مقصورا على سببه، وما كان حكما في قضية مخصوصة، فيروى على وجه يعم حكمه أو يتعدى.
وروينا بطرقنا عنه، عن عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن عثمان بن عيسى، عن أبي أيوب الخزاز، عن محمد بن مسلم، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: قلت له:
ما بال أقوام يروون عن فلان وفلان عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) لا يتهمون بالكذب، فيجئ