وهذا القول ساقط من درجة الاعتبار، لأن المناط عند انسداد باب العلم الظن، وتجديد الرأي حسن للمجتهد، ومثل هذا التخالف بين الأقوال كان للشيخ الطوسي أيضا (1).
أقول: إذا تأملنا في حياة العلامة بدقة نستطيع أن نتصور شيئا يسيرا من الحركة العلمية العالية آنذاك، فالتاريخ يشهد لنا أن العلامة كان في زمان مزدهر العلم ومملوء بالعلماء الفحول ما لم يشهده زمان آخر، حتى نقل المولى الأفندي: إنه كان في عصر العلامة في الحلة 440 مجتهدا (2)، وأكده العلامة الرازي في طبقاته (3)، وذكر السيد حسن الصدر أنه تخرج من عالي مجلس تدريس 500 مجتهدا، ووصل المستوى العلمي في زمانه درجة حيث كان تدريس شخص آخر في زمان وحضور ذلك الشخص مجلس درس ذلك الآخر في علم ثان متعارفا.
هذا والوصول إلى حكم الله الواقعي متعذر في زمن الغيبة، وأكثر الفتاوى مبتنية على الظنون الخاصة وغيرها من الأدلة غير القطعية.
فالجمع بينهما يحل مشكل تعارض فتاوى العلامة في كتبه، وذلك لأن العلامة لما كان يفتى بفتوى ما في الفقه أو يذهب إلى رأي ما في الأصول والعلوم العقلية، كانت تنهال عليه مناقشات العلماء والمجتهدين الجهابذة فيما أفتي به وذهب إليه، فكان رحمه الله ينظر فيه ويبحثها معهم، فإن لم يقتنع بها ردها، وإن رآها سديدة قبلها برحابة صدر وغير فتواه وما ذهب إليه في مؤلفاته الجديدة، وهلم جرا.
فلا داعي للالتزام لحل هذه المشكلة بحرصه على التأليف واستعجاله في التصنيف، وأن كل ما يرتسم في ذهنه يثبته بلا مراجعة أقواله المتقدمة، وأنه كان لا يفحص في الأحاديث والأدلة حق الفحص، فكان له التجدد في الرأي والتلون في الاجتهاد! إلى غير ذلك مما لا تليق نسبته إلى عالم فضلا عن العلامة على الإطلاق.