اليمين بهما وفي الإقرار وفي اليمين بالله فيوقف الكلام ومن خالفه لم يلزمه حكم ذلك، وبه قال أبو حنيفة وأصحابه والشافعي وطاووس والحكم، وقال مالك والليث بن سعد: لا يدخل في غير اليمين بالله وهو ما ينحل بالكفارة وهو اليمين بالله فقط، ثم استدل على ما اختاره فقال: دليلنا أن الأصل براءة الذمة وثبوت العقد، وإذا عقب كلامه بلفظ إن شاء الله في هذه المواضع فلا دليل على زوال العقد في النكاح أو العتق ولا على تعلق حكم بذمته، فمن ادعى خلافه فعليه الدلالة، وروى ابن عمر: أن النبي ع قال: من حلف على يمين وقال في إثرها: إن شاء الله، لم يحنث فيما حلف عليه، وهو على العموم في كل الإيمان بالله وبغيره.
قال محمد بن إدريس: لا يدخل الاستثناء بمشيئة الله تعالى - عندنا بغير خلاف بين أصحابنا معشر الشيعة الإمامية - إلا في اليمين بالله حسب، لأنه لا أحد من أصحابنا قديما وحديثا يتجاسر ويقدم على أن رجلا أقر عند الحاكم بمال لرجل آخر وقال بعد إقراره: إن شاء الله، لا يلزمه ما أقر به. فأما شيخنا أبو جعفر فهو محجوج بقوله فإنه رجع عما حكيناه عنه في الجزء الثالث أيضا في كتاب الأيمان فقال مسألة: لا يدخل الاستثناء بمشيئة الله إلا في اليمين فحسب، وبه قال مالك، وقال أبو حنيفة: يدخل في اليمين بالله وبالطلاق وبالعتاق وفي الطلاق والعتاق وفي النذور والإقرارات، دليلنا أن ما ذكرناه مجمع على دخوله فيه وما قالوه ليس عليه دليل، هذا آخر كلامه.
قال محمد بن إدريس: اختار رضي الله عنه في المسألة الأولى مذهب أبي حنيفة واختار في المسألة الثانية مذهب مالك ثم استدل على صحة المسألتين، ولعمري إن الأدلة لا تتناقض وإنما حداه على ذلك الدخول مع القوم في فروعهم وكلامهم، ولو لزم طريقة أصحابه من التمسك بأصول مذهبهم وترك فروع مخالفيه كان أولى وأحوط وأسلم له ولمن يقف على كتبه وتصنيفه ممن يقلده ويتبع أقواله، نسأل الله التوفيق.