ثالثها النشأة الثالثة وهي عالم الصور العقليات والمثل المفارقات فالنشأة الأولى بائدة داثرة متبدلة زائلة بخلاف الأخيرتين وخصوصا الثالثة وهي مأوى للكمل ومرجع الكاملين ومعاد المقربين والانسان حقيقة مجتمعه بالقوة من هذه العوالم والنشئات بحسب مشاعره الثلاثة مشعر الحس ومبدأه الطبع ومشعر التخيل ومبدأه النفس ومشعر التعقل ومبدأه العقل والنفس الانسانية في بداية تكونها وأول خلقتها هي بالقوة في نشئاتها الثلاث لأنها كانت قبل وجودها في مكمن الامكان وكتم الخفاء كما قال تعالى وقد خلقتك من قبل ولم تك شيئا وقوله تعالى هل اتى على الانسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا وكلما كان وجوده أولا بالقوة فلا بد ان يكون متدرج الحصول في أصل الوجود وكمالاته ويكون مترقيا من الأدنى إلى الاعلى ومتدرجا من الأضعف إلى الأقوى فلها في كل من نشئاتها الثلاث مراتب وهي قوه واستعداد وكمال مثال ذلك كالكتابة فلها قوه كما للطفل واستعداد كما للأمي المتعلم المحصل لأسباب الكتابة وآلاتها ولكن لم يتعلم بعد والكمال للقادر على الكتابة متى شاء من غير كسب جديد لأجل حصول ملكه راسخة في هذه الصناعة وهو قد يكون محجوبا عن الكتابة ممنوعا عنها لا مانع داخلي بل لمانع وحجاب خارجي كما للعين الصحيحة إذا لم يبصر لأجل غطاء من خارج وقد لا يكون كذلك لزوال المانع والحجب الخارجية فألقوه في الاحساس كما للجنين عند كونه في الرحم والاستعداد له كما للطفل عند تولده تام الآلات للحواس والكمال فيه كما للصبي حين ترعرعه وكذا قياس مراتب التخيل ومراتب التعقل ويقال لها العقل الهيولاني والعقل بالفعل والعقل الفعال فالأول قوه والثاني استعداد والثالث كمال والرابع فوق كمال فهذه كلها مراتب متعاقبة الحصول في الانسان بحسب جوهره وذاته فمن غلب عليه واحد من هذه الكمالات الثلاثة أعني الحسى والنفسي والعقلي كان ماله إلى عالمه واحكام نشأته ولوازمها فمن غلبت عليه نشأة الحس والاستكمال بالمستلذات الحسية والمألوفات الدنيوية فهو بعد وفاته أليف غصة شديده ورهين عذاب اليم لا ان الدنيا ولذاتها أمور مجازية لا حقيقة لها (1) والاحساس بها انفعالات تنفعل النفس
(٢٢٩)