لها بحسب أصل الحقيقة البسيطة باعتبار مراتب التنزلات لا غيرها كما سينكشف من مباحث التشكيك ولو لم يكن المدارك ضعيفه قاصرة عن ادراك الأشياء على ما هي عليها لكان ينبغي ان يكون ما وجوده أكمل وأقوى ظهوره على القوة المدركة وحضوره لديها أتم واجلى ولما كان واجب الوجود من فضيلة الوجود في أعلى الانحاء وفي سطوع النور في قصبا المراتب يجب ان يكون وجوده اظهر الأشياء عندنا وحيث نجد الامر على خلاف ذلك علمنا أن ذلك ليس من جهته إذ هو في غاية العظمة والإحاطة والسطوع والجلاء والبلوغ والكبرياء ولكن لضعف عقولنا وانغماسها في المادة وملابستها الاعدام والظلمات تعتاص عن ادراكه ولا نتمكن ان نعقله على ما هو عليه في الوجود فان افراط كماله يبهرها لضعفها وبعدها عن منبع الوجود ومعدن النور والظهور من قبل سنخ ذاتها لا من قبله فإنه لعظمته وسعه رحمته وشده نوره النافذ وعدم تناهيه أقر ب الينا من كل الأشياء كما أشار اليه بقوله تعالى ونحن أقرب اليه من حبل الوريد وبقوله تعالى وإذا سئلك عبادي عنى فانى قريب فثبت ان بطونه من جهة ظهوره فهو باطن من حيث هو ظاهر فكلما كان المدرك أصح ادراكا وعن الملابس الحسية والغواشي المادية ابعد درجه كان ظهور أنوار الحق الأول عليه وتجليات جماله وجلاله له أشد وأكثر ومع ذلك لا يعرفه حق المعرفة ولا يدركه حق الادراك لتناهي القوى والمدارك وعدم تناهيه في الوجود والنورية وعنت الوجوه للحي القيوم.
ومما يجب ان يحقق انه وان لم يكن بين الوجودات اختلاف بذواتها الا بما ذكرناه من الكمال والنقص والتقدم والتأخر والظهور والخفاء لكن يلزمها بحسب كل مرتبه من المراتب أوصاف معينه ونعوت خاصه امكانية هي المسماة بالماهيات عند الحكماء وبالأعيان الثابتة عند أرباب الكشف من الصوفية والعرفاء فانظر إلى مراتب أنوار الشمس التي هي مثال الله في عالم المحسوسات كيف انصبغت بصبغ ألوان الزجاجات وفي أنفسها لا لون لها ولا تفاوت فيها الا بشدة اللمعان ونقصها فمن توقف مع الزجاجات وألوانها واحتجب بها عن النور الحقيقي ومراتبه الحقيقية التنزلية