فجمهور المشائين ذهبوا كما هو المشهور إلى أن الأثر الأول للجاعل هو الوجود المعلول وفسره المتأخرون بالموجودية اي اتصاف ماهية المعلول بالوجود بالمعنى الذي ذكرناه لا ان الأثر الأول هو ماهية الاتصاف أو ذات المعلول أو نفس الوجود لاستغناء الماهيات بحقائقها التصورية عندهم من الجاعل.
وذهبت طائقه أخرى من الحكماء المعروفين بالاشراقيين إلى أن اثر الجاعل وما يبدعه أولا وبالذات هو نفس الماهية ثم تستلزم ذلك الجعل موجودية الماهية بلا إفاضة من الجاعل لا للوجود ولا للاتصاف لأنهما عقليان مصداقهما نفس الماهية الصادرة عنه كما أن مصداق كون الذات ذاتا نفس الذات بدون الاحتياج إلى امر آخر فإنه إذا صدرت ذات المعلول كماهية الانسان مثلا عن العلة لا يحتاج بعد صدوره إلى جاعل يجعل تلك الذات نفسها فهي مستغنية بعد صدورها عن جاعلها عن جاعل بجعلها إياها.
ولا يتوهمن ان كون الذات ذاتا لما كان متفرعا على نفس الذات والذات مجعوله محتاجة إلى الجاعل فيكون هذه النسبة أيضا محتاجا إلى الجاعل ومجعوله له وكذا كونها موجوده على هذه الطريقة يحتاج إلى الجعل السابق المتعلق بنفس الماهية.
لأنا نقول فرق بين الاحتياج الناشي من الشئ بالذات وبين الاحتياج الناشي منه بالعرض وعلى سبيل الاتفاق فان صدق الذاتيات ولوازم الماهيات لا يحتاج إلى جعل جاعل وتأثير مؤثر بل جعلها تابع لجعل الذات وجودا وعدما فان كانت الذات مجعوله كانت ذاتياتها ولوازمها مجعوله بنفس ذلك الجعل وان كانت الذات غير مجعوله كانت الذاتيات واللوازم لها غير مجعوله باللاجعل الثابت للذات وكما أن الضرورة الأزلية تدفع الحاجة إلى العلة كذلك الضرورة الذاتية والفرق بينهما بعدم الاحتياج التبعي في الأول وثبوته في الثاني فالجاعل يفعل ماهية الانسان مثلا ثم هو بنفسه انسان وحيوان وقابل للتعلم لا بجعل مؤلف أصلا ولا بنفس ذلك (1) الجعل