وهو في سبعة نفر لا يحمونه من بطشهم، فحبسوه حين أجازوه من العثمانية الهاربين إلى مصر من دولة علي في الحجاز.
ولما بايع المصريون عليا على يديه بقي العثمانيون لا يبايعون ولا يثورون وقالوا له: امهلنا حتى يتبين لنا الامر، فأمهلهم وتركهم وادعين حيث طاب لهم المقام بجوار الإسكندرية.
ثم أغراه معاوية بمناصرته والخروج على الامام فكتب إليه كلاما لا إلى الرفض ولا إلى القبول، ويصح لمن سمع بهذا الكلام ان يحسبه مراوغا لمعاوية أو يحسبه مترقبا لساعة الفصل بين الخصمين.
ثم اشتد وعيده حين انذره معاوية. وأراد الامام ان يستيقن من الخصومة بين قيس ومعاوية فامر قيسا ان يحارب المتخلفين عن البيعة فلم يفعل.
فتعاظم شك الامام وأصحابه وكثر المشيرون عليه بعزل قيس واستقدامه.
إلى أن يقول العقاد.
ومن عجائب هذه القصة ان معاوية ندم على تقريب قيس من جوار علي وقال: لو أمددته بمائة ألف لكانوا أهون علي من قيس.
وعلى نفس الموضوع على عبد الحميد بن أبي الحديد شارح النهج فقال: ليس يمكن ان يقال إن محمد بن أبي بكر لم يكن باهل لولاية مصر، لأنه كان شجاعا زاهدا فاضلا صحيح العقل والرأي، وكان مع ذلك من المخلصين في محبة أمير المؤمنين ع والمجتهدين في طاعته وممن لا يتهم عليه ولا يرتاب بنصحه وهو ربيبه وخريجه ويجري مجرى أحد أولاده لتربيته له وإشفاقه عليه، ثم كان المصريون على غاية المحبة له والايثار لولايته. ولما حاصر عثمان وطالبوه بعزل عبد الله بن سعد بن أبي سرح عنهم اقترحوا تأمير محمد بن أبي بكر عليهم، فكتب له عثمان بالعهد إلى مصر، وسار معه حتى تعقبه كتاب عثمان إلى عبد الله بن أبي سرح في امره وامر المصريين بما هو معروف فعادوا جميعا.
إذن فلم يكن من ظاهر الرأي ووجه التدبير الا تولية محمد بن أبي بكر على مصر لما ظهر من ميل المصريين إليه وايثارهم له واستحقاقه لذلك بتكامل خصال الفضل فيه، فكان الظن قويا باتفاق الرعية على طاعته وانقيادهم إلى نصرته واجتماعهم على محبته اه.
روايته عن النبي ص لقيس عدة أحاديث روى عن النبي ص وعن أبيه وروى عن عبد الرحمان أبي ليلى وعروة بن الزبير والشعبي وميمون بن أبي شبيب وعريب بن حميد الهمداني وجماعة.
وقال محمد بن سعد في الطبقات: أخبرنا محمد بن عمر الأسلمي حدثني شيخ من بلمصطلق عن أبيه ان رسول الله ص لما انصرف من الجعرانة سنة ثمان بعث قيس بن سعد بن عبادة إلى ناحية اليمن وأمره ان يطأ صداء قبيلة من اليمن فعسكر بناحية قناة في أربعمائة من المسلمين وقدم رجل من صداء فسال عن ذلك البعث فأخبرهم فخرج سريعا حتى ورد على رسول الله ص فقال جئتك وافدا على من ورائي فاردد الجيش وانا لك بقومي فردهم رسول الله ص فقدم منهم بعد ذلك على رسول الله ص خمسة عشر رجلا فاسلموا وبايعوا رسول الله ص على من وراءهم من قومهم ورجعوا إلى بلادهم ففشا فيهم الاسلام فوافى النبي ص مائة رجل منهم في حجة الوداع.
وقال نصر بن مزاحم في كتاب صفين ان أمير المؤمنين ع لما عزم على المسير إلى صفين دعا من كان معه من المهاجرين والأنصار فاستشارهم فقام فيمن قام قيس بن سعد بن عبادة فحمد الله وأثنى عليه ثم قال يا أمير المؤمنين انكمش بنا إلى عدونا ولا تعرج فوالله لجهادهم أحب إلي من جهاد الترك والروم لادهانهم في دين الله واستذلالهم أولياء الله من أصحاب محمد ص من المهاجرين والأنصار والتابعين باحسان إذا غضبوا على رجل حبسوه أو ضربوه أو حرموه أو سيروه وفيئنا لهم في أنفسهم حلال ونحن لهم فيما يزعمون قطين، قال: يعني رقيق، فقال أشياخ الأنصار منهم خزيمة بن ثابت وأبو أيوب الأنصاري وغيرهما لم تقدمت أشياخ قومك وبدأتهم يا قيس بالكلام فقال إما اني عارف بفضلكم معظم لشأنكم ولكني وجدت في نفسي الضغن الذي جاش في صدوركم حين ذكرت الأحزاب اه وروى نصر بن مزاحم في كتاب صفين ان معاوية لما تعاظمت عليه الأمور يوم صفين جمع خواص أصحابه فقال لهم انه قد غمني رجال من أصحاب علي وعد فيهم قيس بن سعد في الأنصار فعبأ لكل رجل منهم رجلا من أصحابه فجعل من قريش بسر بن أرطأة لقتال قيس بن سعد فخرج بسر في الخيل فلقي قيس بن سعد في كماة الأنصار فاشتدت الحرب بينهما وبرز قيس وهو يقول:
أنا ابن سعد زانه عباده * والخزرجيون رجال ساده ليس فراري في الوغى بعاده * إن الفرار للفتى قلاده يا رب أنت لقني الشهادة * القتل خير من عناق غاده فطعن خيل بسر وبرز له بسر فطعن قيسا فضربه قيس بالسيف فرده على عقبيه ورجع القوم جميعا ولقيس الفضل. ودعا معاوية يوما بصفين النعمان بن بشير الأنصاري ومسلمة بن مخلد الأنصاري ولم يكن معه من الأنصار غيرهما فقال لقد غمني ما لقيت من الأوس والخزرج واضعي سيوفهم على عواتقهم يدعون إلى النزال حتى ما أسال عن فارس إلا قالوا قتلته الأنصار أما والله لأرمينهم بأعدائهم من رجال لم يغذهم التمر والطفيشل (1) يقولون نحن الأنصار قد والله آووا ونصروا ولكن أفسدوا حقهم بباطلهم فغضب النعمان وقال يا معاوية لا تلومن الأنصار بسرعهم في الحرب فإنهم كذلك كانوا في الجاهلية وأما دعاؤهم إلى النزال فقد رأيتهم مع رسول الله ص وأما لقاؤك إياهم في أعدادهم من قريش فقد علمت ما لقيت قريش منهم وأما التمر والطفيشل فان التمر كان لنا فلما إن ذقتموه شاركتمونا فيه وأما الطفيشل فكان لليهود فلما أكلناه غلبناهم عليه كما غلبت قريش على السخينة (2) ثم تكلم مسلمة بن مخلد بما يشبه ذلك وقال في آخر