لولده محمد فاستخلف بها كاتبه محمد بن أبي القاسم بن أبي العيون من صنائع الدولة كما ذكرناه وهلك أحمد بن مكي سنة ست وستين على تفيئة مهلك الحاجب بن تافراكين بالحضرة فكأنهما ضربا موعدا للهلكة توافياه وتخلف ابنه عبد الرحمن بطرابلس في كفالة مولاه ظافر العلج وهلك ظافر اثر مهلكه فاستبد عبد الرحمن بطرابلس وساءت سيرته فيها إلى أن نازله أبو بكر بن محمد بن ثابت في أسطوله كما نذكر سنة ثنتين وسبعين وأجلب عليه بالبرابرة والعرب من أهل الوطن فاستنقض عليه أهل البلد وثاروا به وبادر أبو بكر بن ثابت لاقتحامها عليه وأسلموه إلى أمير من أمراء ذئاب فأجاره إلى أن أبلغه مأمنه من محلة قومه وإيالة عمه عبد الملك بقابس إلى أن هلك سنة تسع وسبعين ولم يزل عبد الملك لهذا العهد وهو سنة احدى وثمانين واليا على عمله بقابس وابنه يحيى مستبد بوزارته وحافده عبد الوهاب لابنه مكي رديف له وقد تراجعت أحوالهم عما كانت وخرجت من أيديهم الاعمال التي كانت في عمالته لعهد أخيه أحمد مثل طرابلس وجزيرة جربة وصفاقس وما إلى ذلك من العمالات حتى كان التخت انما كان لأخيه واليمن انما استقر لجنابه وسيرتهما جميعا من العدالة وتحرى مذاهب الخير والسمت والاتسام بسمات أهل الدين حملة الفقه معروفة حتى كان كل واحد منهم انما يدعى بالفقيه علما بين أهل عصره حرصا على الانغماس في مذاهب الخير وطرقه وكان لأحمد حظ من الأدب وكان يغرس من الشعر فيجيد عفا الله عنه وله في الترسيل حظ ووساع بلاغة وينحو في كتابه منحى أهل المشرق في أوضاع حروفهم وأشكال رسومهم ولأخيه عبد الملك حظ من ذلك شارك به جهابذة أهل عصره ولما انتظم السلطان أبو العباس أمصار إفريقية في ملكه واستبد بالدعوة الحفصية على قومه داخل أهل الجريد منه الروع وفزعوا إليه للمعارضة في الامتناع فداخلهم في ذلك وأشاروا إلى صاحب تلمسان بالترغيب في إفريقية فعجز عنهم وألحوا عليه فخام عن العداوة وزحف مولانا السلطان خلال ذلك إلى الجريد فملك قفصة وتوزر ونفطة فبادر ابن مكي إلى التلبس للاستقامة وبعث إليه بالطاعة ثم رجع السلطان إلى الحضرة فرجع هو عن المصدوقة وأتاهم أهل البلد بالحيل إلى السلطان فتقبض بعضهم ومر آخرون وانتقض عليه بنو أحمد اهل ضواحيه من ذئاب فنازلوه وبعثوا إلى الأمير الأكبر بقفصة في العسكر لمنازلته فبعث إليهم وأحاطوا به ثم انتهر الفرصة ودخل بعض العرب من بنى على في تبييت المعسكر وبذل لهم في ذلك المال فبيتوه وانفض وبلغ الخبر إلى السلطان فخرج من حضرته سنة احدى وثمانين ونزل القيروان وتوافت الفئتان وبعث رسله للاعذار بين يديه فردهم ابن مكي بالطاعة
(٤٢٣)