ويطارحه الكثير من مذاهبه ويجرى في الثناء الذي بلغ إلى غايته وأولى على بنيته وأما أحمد بن عمر بن العابد فلم يزل من لدن استبداده ببلده قفصة سالكا مسالك الخمول منحطا عن رتبة التكبر منتحلا مذاهب أهل الخير والعدلة في شارته وزيه ومركبه جانحا إلى التقلل فلما أوفى على شرف من العمر استبد عليه ابنه محمد وترفع عن حال أبيه بعض الشئ إلى مناغاة هؤلاء الرؤساء المترفين فبينما هؤلاء المتقدمون في هذه الحالة من الاستبداد على السلطان انتحلوا بأخلاق الملوك والتثاقل عن الرعايا بالعسف والجور واستحداث المكوس والضرائب إذ طالما خصهم السلطان أبو العباس بالحضرة مستبدين بدعوته صارفا سهم عزائمه فوجموا وتوجسوا الخيفة منه وائتمروا في المظاهرة واتصال اليد بعد أن كانوا يستحثونه إلى الحضرة ويبعثون إليه بالانحياش على البعد زلوقا على صاحب الحضرة ونزوعا على مصدوقية الطاعة فلما استبد السلطان أبو العباس بالدعوة استرابوا في أمرهم وسربوا أموالهم في الاعراب المخالفين على السلطان من الكعوب يؤملون مدافعتهم عنهم فشمر لها أولاد أبى الليل بما كان وقع بينهم وبين السلطان من النفرة ونهض إليهم السلطان فغلبهم على ضواحي إفريقية على الظواعن التي كانت جبايتها لهم منذ حين كما قلناه واستحلم فأوهن ذلك من قوتهم ثم زحف الثانية إلى أمصار الجريد فلاذوا بالامتناع وأناخ السلطان بعساكره وأوليائه من العرب أولاد مهلهل على قفصة فقابلها يوما أو بعض يوم وعدا في ثانية على نخيلهم يقطعها فكأنما يقطع بذلك أمعاءهم فتبرؤا من مقدمهم وشعر بذلك فبادر إلى السلطان ونزل على حكمه فتقبض عليه وعلى ابنه شهر ذي القعدة من سنة ثمانين وتملك البلد واستولى على ديار ابن العابد بما فيها وكان استيلاء لا يعبر عنه لطول أيامه في الولاية وكثر احتجانه للأموال وعقد السلطان على قفصة لابنه أبى بكر وارتحل يريد توزر فقوض عنها بأهله ونزل على أحياء مرداس وسرب فيهم المال فرحلوا معه إلى الزاب ولحق ببسكرة مأوى نكباته ومنتهى مقره فنزل بها على أحمد بن يوسف بن مزنى وأقام هنا لك على بلغة من توقع مطالبة السلطان له ولجاره ابن مزنى من خسارة أموالهم في لفوف العرب وسوء المغبة إلى أن هلك لسنة أو نحوها بعد تقويضه عنهم بعثوا إلى السلطان فلقيه في أثناء طريقه وتقدم إلى البلد فنزل بقصور يملول واستولى على ذخيرته وتبرأ إليه أهل البلد من ودائع كانت له عندهم من خالص الذخيرة فدفعوها إلى السلطان وعقد لابنه المنتصر على توزر واستقدم الخلف بن الخلف من نفطة وكان يخالف أصحابه إلى الطاعة حتى نقضوها زبونا على ابن يملول وسالفه من العداوة ينقلها فلما أحيط بهم أدركه الدهش وبادر إلى السلطان بطاعته فأتاهم
(٤١٧)