سنة خمس وثلاثين في عساكر من الموحدين وطبقات الجند والأولياء من العرب فحاصرها شهرا أو نحوه وقطع نخيلها فضاق مخنقهم بالحصار وتلاوموا في الطاعة واستبقوا بها إلى السلطان وفر الكثير من بنى العابد فلحقوا بقابس في جوار ابن مكي ونزل أهل البلد على حكم السلطان فتقبل طاعتهم وأحسن التجاوز عنهم بسط المعدلة فيهم وأحسن أمل ذوي الحاجات منهم وانكفأ راجعا إلى حضرته بعد أن آثرهم بسكنى ولده المخصوص بولاية عهده الأمير أبى العباس وأنزله من ظهرانيهم وعقد له على بلاد الجريد واحتمل مقدم روضة يحيى بن علي إلى الحضرة فلم يزل بها إلى أن هلك سنة أربع وأربعين واستبد الأمير أبو العباس بأمر الجريد واستولى على نفطة كما قدمناه وقيل لبنى الخلف وهم مدافع وأبو بكر عبد الله ومحمد وابنه أحمد بن محمد اخوة أربعة وابن أخيهم بنو الخلف من مدافع ونسبهم في غسان من طوالع العرب انتقل جدهم من بعض قرى نفزاوة إلى نفطة وتأثل بها وكان لبنيه بها بيت واستبد هؤلاء الاخوة الأربعة أزمان الشورى كما قدمناه ولما استولى السلطان أبو بكر على الجريد وأنزل ابنه أبا العباس بقفصة وعقد له على سائر أمصاره وأمضى طاعتهم وامتنعوا فسرح إليهم وزيره أبا القاسم بن عتو من مشيخة الموحدين وجهزت له العساكر من الحضرة ونازلها وقطع نخلها ولاد أهلها بالطاعة وأسلموا بنى مدافع المتغلبين فضرب أعناقهم وصلبهم في جذوع النخل آية للمعتبرين وأفلت السيف منهم عليا صغيرهم لذمة اعتقدها له أبو القاسم بن عتو لنزوعه إليه قبل الحادثة فكانت واقيته من الهلكة واستولى الأمير أبو العباس على نفطة واستضافها إلى عمله ثم مرض أبو بكر بن يملول في طاعته فنهض إليه السلطان أبو بكر من تونس سنة خمس وأربعين وكان الفتح كما قدمنا ولحق أبو بكر بن يملول ببسكرة فلم يزل بها إلى أن أجلب على توزر فنبذ إليه يوسف بن مزنى عهده وانتقل إلى حصون وادى ابن يملول المجاورة لتوزر وهلك سنة ست وأربعين ثم كان مهلك السلطان وابنه أبو العباس صاحب الاعمال الجريدية اثر ذلك سنة سبع وأربعين ورجع إلى كل مصر من الجريد مقدموه فرجع أحمد بن عمر ابن العابد إلى قفصة من مكانه في جوار ابن مكي واستولى على بلده في مكان ابن عمه يحيى ابن علي ورجع علي بن الخلف إلى نفطة واستبد بها ورجع يحيى بن محمد بن أحمد بن يملول إلى توزر من مثوى اغترابه ببسكرة ارتحل إليها مع عمه أبى بكر طفلا فلما خلا الجريد من الامارة ودرج يحيى هذا من عشه في جوار يوسف بن منصور بن مزنى وأطلقه مع أولاد مهلهل من الكعوب بعد أن وصلهم وشاركهم واسترهن فيه أبناءهم فأوصلوه إلى محل رياسته بتوزر ونصبه شيعته وأولياء أبيه وقاموا بأمره ورجع أمر الجريد كله إلى
(٤١٥)