وأمضى عهد الامام بتقديمه وحمل المصامدة على طاعته فلم يختلف عليه اثنان وكان الحل والعقد في المهمات إليه سائر أيام عبد المؤمن وابنه يوسف واستكفوا به نوائب الدعوة فكفاهم همها وكان عبد المؤمن يقدمه في المواقف قبلي فيها وبعثه على مقدمته حين زحف إلى المغرب الأوسط قبل فتح مراكش سنة سبع وثلاثين وزناتة كلهم مجتمعون بمنداس لحرب الموحدين مثل بنى ومانو وبنى عبد الواد وبنى ورسيعان وبنى توحين وغيرهم فحمل زناتة على الدعوة بعد أن أثخن فيهم لأول دخول عبد المؤمن لمراكش خرج عليه الثائر بماسة وانصرفت إليه وجوه الغوغاء وانتشرت ضلالته في النواحي وتفاقم أمره فدفع لحربه الشيخ أبا حفص فحسم داءه ومحا أثر غوايته ولما اعتزم عبد المؤمن على الرحلة إلى إفريقية حركته الأولى لم يقدم شيئا على استشارة أبى حفص ولما رجع منها وعهد إلى ابنه محمد خالفه الموحدون ونكروا ولاية ابنه فاستدعى أبا حفص من مكانه بالأندلس وحمل الموحدين على البيعة له وأشار بقتل الهرغى رأس المخالفين في شأنه فقتله وتم أمر العهد لابنه محمد ولما اعتزم عبد المؤمن على الرحلة إلى إفريقية سنة أربع وخمسين حركته الثانية لفتح المهدية استخلف الشيخ أبا حفص على المغرب وينقل من وصاة عبد المؤمن على الرحلة إلى إفريقية لبنيه انه لم يبق من أصحاب الإمام الا عمر بن يحيى ويوسف بن سليمان فأما عمر فإنه من أوليائكم وأما يوسف فجهزه بعسكره إلى الأندلس تسترح منه وكذلك فافعل بكل من تكرهه من المصامدة وأما ابن مردنيش فاتركه ما تركك وتربص به ريب المنون وأخل إفريقية من العرب وأجلهم إلى بلاد المغرب وادخرهم لحرب ابن مردنيش ان احتجت إلى ذلك ولما ولى يوسف بن عبد المؤمن تخلف الشيخ أبو حفص عن بيعته ووجم الموحدون لتخلفه حتى استبد غرضه في حكم أمضاه بمقعد سلطانه وأعجب بفضله وأعطاه صفقة يمينه وأعلن بالرضا بخلافته فكانت عند يوسف وقومه من أعظم البشائر وتسمى بأمير المؤمنين سنة ثلاث وستين ولما ولى يوسف بن عبد المؤمن وتحركت الفتنة بجبال غمارة وصنهاجة التي تولى كبرها سبع بن منقفاد سنة ثنتين وستين عقد للشيخ أبى حفص على حربهم فجلى في ذلك ثم خرج بنفسه فأثخن فيهم وكمل الفتح كما ذكرناه ولما بلغه سنة أربع وستين تكالب الطاغية على الأندلس وغدره بمدينة بطليوس واعتزم على الإجازة لحمايتها قدم عساكر الموحدين إليها لنظر الشيخ أبى حفص ونزل قرطبة وأمر من كان بالأندلس من السادة أن يرجعوا إلى رأيه فاستنقذ بطليوس من هذا الحصار وكانت له في الجهاد هنا لك مقامات مشهورة ولما انصرف من قرطبة إلى الحضرة سنة احدى وسبعين هلك عفا الله عنه في طريقه بسلا قربها وكان أبناؤه
(٢٧٦)