من بعده يتداولون الامارة بالأندلس والمغرب وإفريقية مع السادة من بنى عبد المؤمن فولى المنصور ابنه أبا سعيد على إفريقية لأول ولايته وكان من خبره مع عبد الكريم المنتزى بالمهدية ما ذكرناه في أخباره واستوزر أبا يحيى بن أبي محمد بن عبد الواحد وكان في مقدمته يوم المعركة سنة احدى وتسعين فجلى عن المسلمين وكان له في ذلك الموقف من النصرة والثبات ما طار له به ذكر واستشهد في ذلك الموقف وعرف أعقابه ببني الشهيد آخر الدهر وهم لهذا العهد بتونس ولما نهض الناصر إلى إفريقية سنة احدى وستمائة لما بلغه من تغلب ابن غانية على تونس فاسترجعها ثم نازل المهدية فتعاونت عليه ذئاب الاعراب وجمعهم ابن غانية ونزل قابس فسرح الناصر إليهم أبا محمد عبد الواحد ابن الشيخ أبى حفص في عسكر من الموحدين فأوقع بابن غانية بتاجرا من نواحي قابس سنة ستين وستمائة وقتل جبارة أخو ابن غانية وأثخن فيهم قتلا وسبيا واستبعد منهم السيد أبا زيد بن يوسف بن عبد المؤمن الوالي كان بتونس وأسره ابن غانية ورجع إلى النصار بمكانه من حصار المهدية فكان سببا في فتحها وكان ذلك مما حمل الناصر على ولاية الشيخ أبى محمد بإفريقية حسبما يذكر ان شاء الله تعالى لما تكالب ابن غانية واتباعه على إفريقية واستولى على أمصارها وحاصر تونس وملكها وأسر السيد أبا زيد أميرها ونهض الناصر من المغرب سنة احدى وستمائة كما ذكرناه فاسترجعها من أيديهم وشردهم عن نواحيها وخيم على المهدية يحاصرها وقد أنزل ابن غانية ذخيرته وولده بها وأجلب في جموعه خلال ذلك على قابس فسرح الناصر إليه الشيخ أبا محمد هذا في عساكر الموحدين وزحف إليهم بتاجرا من جهات قابس فهزمهم واستولى على معسكرهم وما كان بأيديهم وأثخن فيهم بالقتل والسبي واستنقذ السيد أبا زيد من أسرهم ورجع إلى الناصر بمعسكره من حصار المهدية ظافرا ظاهرا وعاين أهل المدينة يوم هزمه بالغنائم والأسرى فبهتوا وسقط في أيديهم وسألوا النزول على الأمان وكمل فتح المهدية ورجع الناصر إلى تونس فأقام بها حولا إلى منتصف سنة ثلاث وستمائة وسرح أثناء ذلك أخاه السيد أبا إسحاق يتبع المفسدين ويمحو مواقع عينهم فدوخ ما وراء طرابلس وأثخن في بني دمر ومطماطة ونفوسه وشارف أرض سرت وبرقة وانتهى إلى سويقة ابن مذكور وفر ابن غانية إلى صحراء برقة وانقطع خبره وانكفأ السيد راجعا إلى تونس واعتزم الناصر على الرحلة إلى المغرب وقد أفاء على إفريقية ظل الرضى وضرب عليهم سرادق الحماية وبدا له ان ابن غانية سيخالفه إليها وان مراكش بعيدة عن الصريخ وأنه لا بد من رجل يسد فيها مسد الخلافة ويقيم
(٢٧٧)