القرقير صاحب الاشغال بالحضرة فاستعمل مكانه وكان لا يلي تلك الخطة الا كبير من مشيخة الموحدين فرشحه السلطان لها لكفايته وغنائه فظفر منها بحاجة نفسه واعتدها ذريعة إلى أمنيته فاتخذ شارة أرباب السيوف وارتبط الخيل واتخذ الآلة في حروبه مع أهل البادية إذا احتاج إليها وأسف أثناء ذلك أبا علي بن النعمان وأبا عبيد الله ابن الحسين بعدم الخضوع لهما فنصبا له وأغريا به السلطان وحذراه غائلة عصيانه وكان فيه اقدام أوجد به السبيل على نفسه ويحكى أن السلطان استشاره ذات يوم في تقديم بعض أهل الخلاف والعصيان فقال له عندي ببابك آلاف من الجنود ارم بها من تشاء من أمثالهم فأعرض عنه السلطان واعتدها عليه ووجد لها مصداقا لما نمى عنه ولما قدم عنه عبد الحق بن يوسف بن ياسين على الاشغال ببجاية مع زكريا ابن السلطان أظهر له الجوهري ان ذلك له بسعايته وعهد إليه بالوقوف عند أمره والعمل بكتابه فألقى عبد الحق ذلك إلى الأمير زكريا فقام لها وقعد وأنف من استبداد الجوهري عليه ولم تزل هذه وأمثالها تعد عليه حتى حق عليه القول فسطا به الأمير أبو زكريا وتقبض عليه سنة تسع وثمانين ووكل امتحانه إلى أعدائه ابن لمان والندومى فتجلد على العذاب وأصبح في بعض أيامه ميتا في محبسه ويقال خنق نفسه وألقى شلوه بقارعة الطريق فتفنن على أهل الشماتة في العبث به والى الله المصير كان الأمير أبو زكريا منذ استقل بأمر إفريقية واقتطعها من بنى عبد المؤمن كما ذكرنا متطاولا إلى ملك الحضرة بمراكش والاستيلاء على كرسي الدعوة وكان يرى أن بمظاهرة زناتة له في شأنه يتم له ما يسمو إليه من ذلك فكان يداخل امراء زناتة فيه ويرغبهم ويراسلهم بذلك على الاحياء من بنى مرين وبنى عبد الواد وتوجين ومغراوة وكان يغمراسن منذ تقلد طاعة آل عبد المؤمن أقام دعوتهم بعمله متحيزا إليهم سلما لوليهم وحربا على عدوهم وكان الرشيد منهم قد ضاعف له البر والخلوص وخطب منه مزيد الولاية والمصافاة وعاوده الاتحاف بأنواع الالطاف والهدايا تيمما لمسراته وميلا إليه من جانب أمثاله بنى مرين المجلبين على المغرب والدولة فاستنكر السلطان أبو زكريا اتصال الرشيد هذا بيغمراسن وألزمهم من جواره بالمحل القريب وبينما هو على ذلك إذ وفد إليه عبد القوى أمير بنى توجين وبعض وفد بنى منديل بن عبد الرحمن امراء مغراوة صريخا على يغمراسن فسهلوا له أمره وسولوا له الاستبداد على تلمسان وجمع كلمة زناتة واعتداد ذلك ركابا لما يرومه من امتطاء ملك الموحدين بمراكش وانتظامه في أمره وسلما لارتقاء ما سموا إليه من ملكه وبابا لولوج المغرب على أصله فحركه املاؤهم وهزه إلى النفرة صريخهم وأهب الموحدين وسائر الأولياء والعساكر إلى الحركة على تلمسان واستنفر
(٢٨٦)