منتهى الدراية - السيد محمد جعفر الشوشتري - ج ٥ - الصفحة ١٥٩
ثم إن المقصود من تحديد المجاري بما ذكرناه انما هو بيان حكم الشك في نفسه وبعنوانه، فالبراءة حكم للشك في التكليف مع الغض عن قيام حجة على الاحتياط مثلا كما هو مختار المحدثين في بعض الشبهات، فلا حاجة إلى تقييد مجرى البراءة بما إذا لم تنهض حجة على المؤاخذة على التكليف المجهول، بل قد تقدم في الجز السابق من هذا الشرح قرب دعوى كون أدلة البراءة النقلية إرشادا إلى حكم العقل بقبح العقاب بلا بيان، وأدلة الاحتياط على فرض تماميتها بيان، ومعه لا يبقى موضوع لأصل البراءة، فاعتبار عدم نهوض حجة على الاحتياط يكون من قبيل الشرط المحقق للموضوع، إذ مع نهوضها عليه ينتفي الشك الذي هو موضوع البراءة، فتدبر.
وكيف كان فقد ضبط المصنف (قده) مجاري الأصول في حاشيته على الرسائل بما لفظه: (ان الشك اما أن يلاحظ فيه الحالة السابقة أم لا، والأول مجرى الاستصحاب، وعلى الثاني اما أنه مما يمكن فيه الاحتياط وان لم يكن الشك في أصل الالزام، بل كان الالزام في الجملة معلوما، كما إذا دار الامر بين وجوب شئ وحرمة شئ آخر، أو دار الوجوب أو الحرمة بين شيئين، حيث إنه يمكن الاحتياط فيهما، أو كان الشك فيه وان لم يمكن فيه الاحتياط أم لا، الثاني مجري التخيير، وعلى الأول اما أن يكون في البين حجة ناهضة على التكليف عقلا أو نقلا أم لا، الأول مجرى الاحتياط والثاني مجرى البراءة) ومقتضاه كون ما لا يمكن فيه الاحتياط مطلقا سواء علم التكليف أم لا مجرى التخيير، مع أن الشك في التكليف ليس الا مجرى البراءة، والتخيير و البراءة وان لم يتميزا عملا، الا أنهما متميزان ملاكا، إذ ملاك التخيير كما صرح به المصنف (قده) هو قبح الترجيح بلا مرجح، و ملاك البراءة قبح العقاب بلا بيان.