ولست أصل إليك في كل وقت، فممن آخذ معالم ديني؟ قال: من زكريا بن آدم القمي المأمون على الدين والدنيا... الحديث " (1).
وهي أيضا تدل على أن ملاك الإرجاع هو كون زكريا رضوان الله عليه مأمونا على الدين ونقل المعارف الإلهية، فإن عطف الدنيا على الدين مما يعلم عدم دخله في حجية قوله. وقد عرفت أن أخذ المعالم أعم من أن يكون بأخذ الرواية المتضمنة لها أو بأخذ مفادها.
فالحاصل من الأخبار: حجية خبر الثقة، وقد عرفت أنه المتفاهم من الآيات الدالة على حجية خبر الواحد، ما عدا آية النبأ، وستأتي، وقد مرت الإشارة إلى أنها مما بنى عليه العقلاء وجرت عليه سيرتهم.
وأما ما في كلمات المحقق الخراساني وصاحب الدرر (2): من أن ثقة الراوي طريق إلى كون الخبر موثوق الصدور، وأن ملاك الحجية وموضوعها ثقة الصدور فمما لا يمكننا تصديقه، فإن المسلم هو حجية خبر الثقة، وإلا فمجرد الثقة بصدوره إذا كان الراوي غير ثقة فهو غير معلوم لو لم يكن معلوم العدم، أترى أنه إذا حصل الثقة بصدق الخبر من طريق الرؤيا - مثلا - فهذا الخبر حجة عند العقلاء؟ كلا! ومن الواضح أن موضوع الأخبار هو كون راوي الخبر ثقة، وجعله طريقا إلى الثقة بالصدور - لو كان - فإنما هو بإلغاء الخصوصية العقلائي، ولا يوافق عليها العقلاء هنا، بل هم يرون خبر الثقة حجة، وهو المنصرف من الآيات المذكورة، وعليه سيرتهم، وبه دلت الأخبار، كما عرفت.
وأما آية النبأ فقد صرحت بمنطوقها على عدم حجية خبر الفاسق، ووجوب التبين عن نبئه، وحينئذ فقد يقال بكونها دليل تقييد الأخبار الماضية والآيات الاخر والسيرة العقلائية، فإن الفاسق الذي ليس له ملكة العدالة قد يكون في كمال الثقة في أخباره.