في أن مدلولها إنشاء الأحكام وروايتها من دون دخل لهذا الاستتباع.
كما أن إليه يرجع ما قد يقال: إنه لما كان الإلقاء في مفسدة الحرام وتفويت مصلحة الواجب قبيحا على الشارع تعالى، ففيما إذا قامت أمارة على أمر وكانت مخالفة للواقع موجبة للإلقاء أو التفويت المذكور، فلا محالة يشتمل مؤداها على مصلحة يتدارك بها المصلحة الفائتة أو المفسدة الواقعة.
وذلك أنه لو قلنا باشتمال مؤداها كذلك لما كان معه لتعين الحرمة أو الوجوب الواقعيين مجال قطعا، بل الحرام المشتمل على تلك المفسدة يشتمل على مصلحة جابرة لها، فلا معنى لبقائه على الحرمة حينئذ واقعا، والواجب الواقعي وإن اشتمل على مصلحته إلا أن غيره أيضا مما قامت الأمارة على وجوبه مشتمل على هذه المصلحة بعينها، فالوجوب لا يختص بالواقعي، بل يتخير بينه وبين ما قامت الأمارة على وجوبه، فينقلب أحكام الله وتتبع في واقعها آراء المجتهدين.
نعم، لو قلنا بأن القبح المذكور لا يستدعي اشتمال مؤدى الأمارة بمجرد قيامها على المصلحة المذكورة، وإنما يستدعي تدارك المصلحة الفائتة أو المفسدة الواقعة، بالمقدار الذي صار سلوكها سببا لها - كما أوضحه الشيخ الأعظم (قدس سره) في البحث عن إمكان التعبد بالظن - لما كان هنا إلا الوجوب أو الحرمة الواقعية، والتخلف عنهما يوجب على الحكيم تدارك ملاكهما، فلا يؤول إلى التصويب.
وعلى هذا يحمل كلام صاحب الكفاية.
لكن التحقيق الذي بيناه في محله وأشرنا إليه غير مرة: أن حجية الأمارات المعتبرة لا تتوقف على التدارك المذكور أصلا، بل مجرد اشتمال نفس جعل الحجية لها على مصلحة مهمة أقوى بمراتب في النظام الإسلامي من ضائعة فوت المصلحة أو الوقوع في المفسدة كاف في جعل الحجية لها، ومجرد احتمال تلك المصلحة كاف في عدم إمكان كشف التدارك المذكور، كما لا يخفى. ومعلوم أنه من المحتمل جدا أن يكون مصلحة جعل حجية الأمارات أنه لولاها لكان