ففيه كما ترى: وإن أفاد التخيير في مادة التوسعة إلا أنها علقها بالأخذ بأيهما شاء، فمن هذه الجهة ربما يتوهم أنه بعد الأخذ بأحدهما يصير حجة عليه، ولا يكون له بعده تخيير.
لكنه لا مجال له بعد تلك الدلالات الواضحة، فبقرينتها يعلم أن المراد بالأخذ هو تطبيق العمل عليه.
وبعبارة أخرى: الأخذ العملي كما قال في صحيح ابن مهزيار: " موسع عليك بأية عملت " (1) وكما وقع التعبير بالأخذ في أخبار التسليم أيضا، وإطلاق التوسعة عليه في الأخذ والعمل بأي الخبرين شاء يعم كل مرة وفي كل واقعة، بل لا يبعد دعوى انعقاد هذا الإطلاق للحديث مع قطع النظر عن القرائن المذكورة أيضا.
ثانيهما: مرفوعة زرارة، ففي آخرها: " فقلت: إنهما معا موافقان للاحتياط أو مخالفان له فكيف أصنع؟ فقال (عليه السلام): إذن فتخير أحدهما فتأخذ به وتدع الأخير ".
ففيه: يمكن أن يقال: إن ظاهر إطلاق الجملة الأخيرة " وتدع الأخير " أنه يترك الرواية الأخرى بالمرة، كما كان كذلك في موارد ترك المرجوح المذكور في الفقرات السابقة أيضا، ولذلك فهي ظاهرة في التخيير البدوي. إلا أنها لا بد وأن تحمل على ما استفدناه من سائر الأخبار بعد قوة دلالتها، بل صراحة بعضها في الاستمراري منه.
هذا، مع أن المرفوعة ضعيفة السند جدا - كما عرفت - بحيث لم يعتمد عليها من ليس له تلك الدقة في سند الأخبار.
فتحصل: أن للأخبار الواردة في التخيير - لو سلمنا دلالتها على أصل التخيير - دلالة قوية غير قابلة الإنكار على أنه تخيير استمراري، لا بدوي.
وبعد ذلك تعرف ضعف الوجوه المذكورة في المنع أو التشكيك في استفادة التخيير الاستمراري. فإن المخاطب الموضوع لهذا التخيير هو من جاءه الحديثان