إلا أنه مع ذلك لا يبعد أن يقال: إن ظاهر موارد السؤال عن حكم التعارض أنه قد عرض للسائل تحير في ما هو وظيفته، وفي انكشاف الواقع بالأخبار في موارد السؤال، وهو إنما يكون إذا لم يكن بينهما جمع عرفي، وإلا فمع التوفيق الوثيق لا يبقى حيرة، ومثل مسألة حمل البعث أو الزجر على غير الإلزامي بقرينة الترخيص في الترك أو الفعل، أو تخصيص العام بالخاص والمطلق بالمقيد، مما قد اشتهرت بين أداني المحصلين لا تليق أن يسأل عن حكمها.
بل في بعض أخبار العلاج قرائن واضحة على هذا التحير الوثيق، مثلا إن قوله في مقبولة عمر بن حنظلة: " اختلفا فيما حكما وكلاهما اختلفا في حديثكم " (1) لا ينبغي الشك في أن هذا الاختلاف كان اختلافا عريقا، وإلا فلو كان الخبران من قبيل الخاص والعام أو البعث نحو الفعل والترخيص في الترك لما بقى بين الحكمين اختلاف ولاتحدا في ما يحكمان.
كما أن قوله في موثقة سماعة: " في رجل اختلف عليه رجلان من أهل دينه في أمر كلاهما يرويه، أحدهما يأمر بأخذه والآخر ينهاه عنه " (2) ظاهر في أن الرجلين بعد استنادهما إلى ما يرويه كان أحدهما يراه منهيا عنه والآخر جائزا وواجبا وليس بينهما جمع، وإلا فلو كان من قبيل النهي والزجر عن أمر والترخيص فيه لما بقيا على هذا الخلاف.
وكما أن قوله في موثقة الحسن بن الجهم قلت للعبد الصالح هل يسعنا فيما ورد علينا منكم إلا التسليم لكم؟ فقال: " والله لا يسعكم إلا التسليم لنا " ثم تعقيبه بقوله: " فقلت: فيروى عن أبي عبد الله (عليه السلام) شئ ويروى عنه خلافه فبأيهما نأخذ؟ " (3) لا يعني به إلا أنه يقول: إن هذا التسليم الذي هو وظيفة علينا لا يمكن