فانظر إلى ما رواه ثقة الإسلام في أصول الكافي بإسناده الصحيح عن زرارة، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الحلال والحرام؟ فقال: " حلال محمد حلال أبدا إلى يوم القيامة، وحرامه حرام أبدا إلى يوم القيامة، لا يكون غيره ولا يجئ غيره " وقال: " قال علي (عليه السلام): ما أحد ابتدع بدعة إلا ترك بها سنة " (1).
فإن تأكيد الكلام بقوله (عليه السلام): " لا يكون غيره ولا يجئ غيره " يكون قرينة جلية على أن المراد بالأبدية المذكورة أنه لا يخلف حكم غير الإسلام مقام حكم الإسلام، لا في الحال ولا في ما يأتي إلى يوم القيامة، وأما أن كل حكم فهو لا يتغير ولا يتبدل بتبديل من نفس شارع الإسلام فهو معنى لا يرتبط بمفاده. هذا.
ومثله بل أوضح منه موثقة سماعة بن مهران المروية في باب الشرائع من أصول الكافي (2)، وقريب منهما خبر سلام بن المستنير (3)، فراجع.
وبعد ما مر تعرف أن الأخبار المشتملة على الخصوصيات في كلام الأئمة (عليهم السلام) حتى المتأخرين منهم لابد وأن يحمل على أنها تخصيصات للعمومات المعارضة لها، وإن كانت تلك العمومات صادرة عن النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله)، فإنه الجمع العرفي بين مفادها مع غمض العين عن كل ما سواها. هذا.
وقد وردت أخبار مستفيضة بألسنة مختلفة تدل على أن جميع الأحكام قد شرعت وأخبر بها في زمن النبي الأعظم، وأن الأئمة (عليهم السلام) مبينون لنفس ما جاء به رسول الله (صلى الله عليه وآله)، غاية الأمر أنها كانت مودعة عندهم وربما لا يعلمها غيرهم صلوات الله عليهم.
فمن هذه الأخبار ما في ذيل صحيح زرارة المذكور آنفا من أنه " قال علي (عليه السلام): ما أحد ابتدع بدعة إلا ترك بها سنة " فإنها دلت بالصراحة على أن الأخذ بالبدعة مساوق لترك السنة، وهو لا يكون إلا إذا كان في جميع الموارد سنة