والحاصل: أن هنا أصولا عقلائية وبناءات كذلك معتبرة، كأصالة عدم الخطأ في التحمل والأداء والحفظ، وأصالة الظهور، وأصالة الجهة وغيرها، ومنها إعتبار قول الثقة ونعبر عنه بأصالة صدقه، فإذا وقع بين دليلين اختلاف غير قابل للجمع العرفي يحصل علم إجمالي بوقوع الخلل في مقتضى بعض هذه الأصول، فإذا لم يكن شئ منها قطعيا كان جميعها طرفا لهذا العلم الاجمالي، فيقع التعارض بينها جميعا، وليس شئ منها أولى من الآخر أصلا.
فما في الكفاية من قوله: " إنما يكون التعارض بحسب السند فيما إذا كان كل واحد منها قطعيا دلالة وجهة، أو ظنيا فيما إذا لم يكن التوفيق بينها بالتصرف في البعض أو الكل، فإنه حينئذ لا معنى للتعبد بالسند في الكل، إما للعلم بكذب أحدهما، أو لأجل أنه لا معنى للتعبد بصدورها مع إجمالها، فيقع التعارض بين أدلة السند، كما لا يخفى... " مخدوش فيه في القطعيين والظنيين جميعا:
وذلك أن دليل اعتبار السند كدليل إعتبار الظهور وكأصالة الجهة وسائر الأصول الجارية في الألفاظ قواعد كلية، وبناءات عملية عقلائية قد أمضاها الشارع باتحاد مشيه ومسيره مع جميع العقلاء في محاوراته، وإن ورد عنه لفظ - كما في إعتبار السند - فإنما هو أيضا إمضاء لفظي وإلا فليس للشرع تعبد خاص في شئ منها، وعليه فليس ثبوت حكم شرعي بالرواية المعتبرة إلا نتيجة لانطباق قواعد متعددة عقلائية - لم يعدل عنها الشارع - على مورد هذه الرواية، لا أن الشارع قد تعبد بالخصوص في موردها تعبدا أو تعبدات متعددة خاصة.
وحينئذ فإذا لم يمكن الأخذ في الروايتين المختلفتين مثلا بمقتضى جميع هذه القواعد - كما عرفت - علم إجمالا بورود الخلل في بعضها، وليس شئ منها أولى بتوجيه الخلل إليه من الآخر، وحيث إن كلا منها قاعدة كلية غير ناظرة إلى خصوص المورد، فليس عدم ترتب الأثر العملي عليها في مورد دليلا على عدم جريانها، لكي يرد النقص والخلل عليها دون ما تترتب عليها، فلا يمكن تصديق قوله (قدس سره): " لا معنى للتعبد بصدورها مع إجمالها " لما عرفت، ولأن لازمه أن