من الحكم المجعول عين ولا أثر أصلا، والشاهد عليه أنه استقرت عليه سيرة العقلاء وارتكازهم، ولم يأت الشارع في باب الطرق المعتبرة وكيفية اعتبارها بشئ جديد.
وكيف كان فليس حكم إلا الحكم الواقعي، وهو غير متيقن حتى بعد قيام الطريق المعتبر، كما لا يخفى.
والتحقيق أن يقال: إن المراد من اليقين والعلم الواقع في أدلة الأصول هو المعنى الأعم من القطع والطريق المعتبر، فمع قيام الطريق هو عالم ومتيقن بالأمر فلا موضوع للاستصحاب، والدليل عليه:
أولا: أنه المفهوم من مثل هذه العناوين عند العقلاء، إذ لا ريب في أنهم يعبرون بأنهم عالمون بالشئ بمجرد قيام الطريق المعتبر عليه، وهو تعبير ارتكازي غير مبتن على ادعاء مجاز.
وثانيا: أنه لو ثبت في مورد صحاح الباب الوضوء وطهارة الثوب بمثل قول البينة أو ذي اليد، فلا يتوقف العقلاء في أنه إذا شك في بقائهما وارتفاعهما فهو من مصاديق الاستصحاب، مع أنه ليس هنا يقين بمعنى القطع والجزم.
وثالثا: أنه يوجد في نفس أدلة الأصول قرائن واضحة على إرادة هذا المعنى الأعم، فقد قال في صحيحة زرارة الأولى: قلت: فإن حرك إلى جنبه شئ ولم يعلم به؟ قال: " لا، حتى يستيقن أنه قد نام، حتى يجئ من ذلك أمر بين، وإلا فإنه على يقين من وضوئه، ولا ينقض اليقين أبدا بالشك، ولكن ينقضه بيقين آخر " (1).
فتراه أنه جعل غاية الوضوء أن يجئ عند المكلف أمر بين يشهد ببطلانه، وعروض الحدث المبطل له، ولا ريب في أن الطريق المعتبر أمر بين، فالتعبير بهذا العنوان العام فيه دلالة واضحة على أن الملاك كله إنما هو قيام أمر بين، قطعا كان