ترك إكرام النحويين في المثال المذكور قبل الفحص عن المخصص، وكان بحيث لو تفحص لظفر بهذا المخصص بلا ريبة فلا نسلم جواز عقابه على مخالفة الواقع، مع أن المفروض أنه لا طريق له إلى إحراز ذاك الواقع. نعم، هو متبحر في ترك الفحص وعدم الأخذ بالاحتياط، ويجري عليه أحكام المتجري.
فبالجملة: لو كان عنوان الشك صادقا في مورد الغفلة أيضا لما كان مانع من الأخذ بإطلاقه والقول بجريان الاستصحاب حتى معها أيضا، لكنه غير صادق، والاستصحاب غير جار كما عرفته.
ثم إن ظاهر الشيخ الأعظم وصريح بعض آخر أنه مما يترتب على اعتبار فعلية الشك في جريان الاستصحاب هو الحكم بصحة صلاة من أحدث ثم غفل وصلى، وبعد الصلاة التفت وشك في أنه توضأ قبل الصلاة أم لا؟ فإنه لو كان الاستصحاب جاريا مع الغفلة كان مقتضاه بطلان صلاته، لمحكوميته حينها بأنه محدث، لكنه لا يجري بعد اعتبار الفعلية في الشك الذي هو موضوعه، ويحكم بصحة صلاته بمقتضى قاعدة الفراغ. نعم، لو التفت قبل الصلاة وشك جرى في حقه استصحاب الحدث، فلو غفل وصلى ثم التفت بعد الصلاة كانت صلاته محكومة بالبطلان بمقتضى استصحابه، ولا تعمه قاعدة الفراغ لأنها مشروطة بحدوث الشك بعد الفراغ.
أقول: إن تفريع الصحة على اعتبار فعلية الشك في جريان الاستصحاب في الفرع الأول غير صحيح، فإنه لو فرض جريان الاستصحاب مع عدم فعلية الشك أيضا لكان هنا غير جار، لأن قاعدة الفراغ حاكمة بالصحة، ومعها لا مجال للاستصحاب، لتقدمها عليه ورودا أو حكومة أو تخصيصا، كما كانت متقدمة على استصحاب الحدث الجاري بعد الصلاة والالتفات.
وتوهم الفرق بينهما بأن الاستصحاب لو كان جاريا حال الصلاة فلا يعقل رفع اليد عنه بقاعدة الفراغ التي لا تجري إلا بعد الصلاة، فإن الصلاة المحكومة بالبطلان لا يعقل أن تنقلب صحيحة، بخلاف الاستصحاب بعد الصلاة فإن قاعدة