الشك في الأخبار الدالة على اعتبار قاعدة الاستصحاب التي قد عرفت أنها العمدة من أدلتها، ومن الواضح أن الظاهر من كل عنوان خصوص الفعلي منه، فالنار ليست إلا ما كانت نارا بالفعل، والإنسان ليس إلا خصوص المصداق الفعلي، فهكذا الشك ليس إلا ما كان شكا بالفعل الذي قوامه بالتردد الحاصل عقيب الالتفات، وعليه فلا تنطبق أدلة الاستصحاب إلا على ما إذا كان المكلف شاكا بعد التفاته. نعم، بعد ما إذا التفت وشك فلا يعتبر فيه التوجه إلى أنه شك، بل وجود حالته الترديدية في خزانة نفسه كاف في صدق الشاك عليه، كما في العالم والموقن والظان وأمثالها.
وقد يستدل لاعتبار فعلية الشك أيضا بأن الأحكام الظاهرية - سواء كانت في الأمارات أو الأصول - إنما جعلت لرفع تحير المكلف في مقام العمل وتنجيز الواقع عليه عند الموافقة والإعذار لدى المخالفة، وهو متوقف على التفات المكلف بالموضوع، بل وعلمه بالحكم، فمجرد قيام طريق معتبر على تخصيص العموم ليس حجة للعبد ما لم يعلم به وباعتباره، فإذا كان عموم " أكرم العلماء " مقتضيا لإكرام النحويين - مثلا - وكان هنا مخصص يقتضي عدم إكرامهم، ولم يعلم المكلف به، أو لم يعلم أن المولى قد اعتبره، فلو كان الحكم الواقعي مفاد العموم وكان المخصص مخالفا للواقع فلا حجة للعبد في ترك إكرامهم وكان معاقبا على الواقع، وهذا كله لأن الغاية من جعل هذه الأحكام هو التنجيز. ورفع الحيرة، وهما لا يكونان إلا بعد العلم موضوعا وحكما.
أقول: إن ما أفيد من كون الغاية منحصرة في رفع الحيرة مما لم يقم عليه دليل، واللازم هو اتباع أدلة اعتبار الأصول والأمارات، فإذا قال الشارع: " كل شئ حلال أو طاهر حتى تعلم أنه حرام أو قذر " فحكمه هذا قد جعل في مورد عدم العلم بالحرمة والنجاسة، وهو عنوان صادق مع عدم الالتفات أيضا، فإذا صلى في ثوب لا يعلم طهارته ولا نجاسته غافلا عنهما فلم لا يعمه دليل أصالة الطهارة؟
وبعد فراغه عن الصلاة والتفاته تعلم بأن صلاته كانت واجدة لهذا الشرط، وإذا