والشك من الصفات النفسانية يمكن تعلقهما بنفس عنوان الكلي مجردا عن كل قيد، كما أنه كذلك موضوع الحكم حسب الفرض، فإذا لاحظنا المورد نرى من وجداننا أنا متيقن بوجود الإنسان بمعنى الكلي الطبيعي في الدار قبل الزوال، وشاكون في بقائه فيها بعده، فيكون مجرى الاستصحاب بلا شك ولا ريبة.
ومنه تعرف عدم الحاجة إلى التمسك بذيل العرف، وأنه يرى القضية المتيقنة متحدة مع المشكوكة، وهو المرجع في أمثال الباب، فإنه وإن كان حقا إلا أن الفهم العرفي هنا متطابق مع ما تقتضيه الدقة العقلية كما عرفت، والحمد لله.
وهنا إيراد ثالث، هو: أن الشك في بقاء الكلي مسبب عن الشك في حدوث الفرد الباقي، ويستصحب عدم حدوثه، والأصل الجاري في الشك السببي مقدم على المسببي بالحكومة، كما سيأتي إن شاء الله تعالى.
وهو واضح الفساد، إذ فيه أولا: أن هذا التقدم إنما يكون في ما كان المشكوك في الشك المسببي من الآثار المترتبة شرعا على سببه، لكي يثبت بالاستصحاب الجاري في الشك السببي وجوده أو عدمه، فيكون حاكما عليه، بل سيأتي - إن شاء الله تعالى - أن الحاكم بل الوارد على الأصل المسببي إنما هو الدليل الاجتهادي الدال على حكم المسبب، ففي مثال غسل اليد المتنجسة بالماء المستصحب الطهارة الاستصحاب إنما يثبت أن هذا الماء طاهر، والدليل الاجتهادي الدال على أن الماء الطاهر طهور ينطبق عليه ويحكم بطهارة ما يغسل به، ومعه لا يبقى مورد للأصل المسببي.
وأما إذا لم يكن المسبب أثرا شرعيا بل كانت السببية عقلية فالأصل في السبب لا يمكن أن يثبت ويتضح به حال المسبب، إلا على القول بالأصل المثبت، من غير فرق بين أن يكون نفس السبب والمسبب شرعيين أم لا، فهاهنا أن تفرع الكلي على الفرد أمر عقلي، وإن كان نفس الكلي والفرد شرعيين، فلا يمكن إثبات الكلي أو نفيه بالأصل الجاري في الفرد.
وثانيا: أن وجود كل من الفردين بخصوصه مشكوك فيه ومسبوق بالعدم،