وبالجملة فالظاهر من الضرر ما هو ضد النفع بمعناهما اسم المصدر، ووقوع الضرار في الحديث تلو الضرر يوجب ظهوره أيضا في إرادة هذا المعنى في قالب معنى المصدر، مضافا إلى ما قد عرفت من أن بعض نسخ الفقيه الذي قيل: إنه نسخة مصححة نقله "... ولا إضرار ".
هذا بالنسبة إلى لفظتي " ضرر " و " ضرار " الواقعتين في الحديث المبارك، وأما لفظة " لا " فمعلوم أنها التي لنفي الجنس، وإن كانت لا المشبهة بليس أيضا متحدة معها في المعنى.
إذا عرفت هذا نقول: إن معنى الجملة التركيبية هو الإخبار بانتفاء جنس الضرر والضرار، فقد أخبر (صلى الله عليه وآله) بأنه لا ضرر أصلا ولا ضرار.
ومن الواضح المعلوم أنه (صلى الله عليه وآله) ليس بصدد الإخبار عما هو وضع الحالة الموجودة في العالم، فإنه لا يرتبط به بما أنه نبي ورسول، مع أنه خلاف الواقع، فإن إضرار الناس بعضهم ببعض وابتلاء بني آدم بالضرر أمر شائع لا يخفى على أحد.
ولذلك فقد قام المشايخ العظام (قدس سرهم) بصدد تفسير الحديث بما يناسب مقام النبوة والرسالة ويطابق الواقع المشهود أيضا.
والمتحصل من كلماتهم بعد الدقة فيها أن الحديث محتمل لإرادة أحد المعاني الثلاثة:
الأول: ما اختاره الشيخ الأعظم (قدس سره) في " الفرائد " ورسالة " اللا ضرر " من أن المراد نفي كل حكم يلزم منه ضرر على أحد، سواء أكان حكما وضعيا - كلزوم البيع الغبني - أم تكليفيا إلزاميا كوجوب الوضوء لمن يضره الماء، أم تكليفيا إباحيا يتوقف ترتب الضرر على إرادة المباح له، كإباحة دخول سمرة في البستان بلا استيذان، فالحديث يدل على نفي تشريع أي من الأحكام يلزم منه الضرر بجميع أقسامها.
وفي كيفية إرادة هذا المعنى من قوله: " لا ضرر ولا ضرار " احتمالات: