ولا طريق لنا إلى إثبات طريق التقييد، فإنه لا سبيل لنا إلا أن يقتضيه الجمع العرفي، وهو ممنوع، لا سيما وقد عرفت أن حقيقة الإطلاق إنما هي بمعنى كون المطلق تمام الموضوع وتمام مراد المولى، ولا نظر للمطلق إلى القيود نفيا ولا إثباتا، وهذا معنى ما يقال: إن الإطلاق رفض القيود لا جمعها، ففيما نحن فيه لا يجعل الشارع إلا حلية المشكوك ورفعه، وهما تمام مراده، فلا محالة يجريان في جميع الحالات، إلا أنه مع التعارض ليس الجمع العرفي بإيراد قيد على أحد الإطلاقين. نعم، إذا كان قرينة لفظية على هذا التقييد فلا بأس بالمصير إليه، وأين هو مما نحن فيه؟!
هذان الوجهان عمدة ما يقال في توجيه الترخيص في بعض الأطراف، ومما ذكرنا نقدر على دفع سائر الوجوه أيضا.
ثم إن هذا كله بالنسبة للترخيص المحض في بعض الأطراف بلا جعل البدلية، ولا أي شئ آخر. إلا أنه يتصور الترخيص فيه بجهات اخر، لا بأس بالبحث عن عمدتها:
فمنها: أن يكون الترخيص بأن يكتفى في امتثال التكليف المعلوم بالاجمال، برعايته في أحدهما تعيينا أو تخييرا، وهذا ما يقال فيه: إن الشارع يجعل أحدهما بدلا عن الواقع.
فهذه البدلية إن كانت واقعية بأن يشتمل الطرف الذي به الامتثال على جميع ما يشتمل عليه نفس المكلف به الواقعي فقد حصل غرض المولى من التكليف الذي في البين، ولا إشكال، إلا أن مثله يوجب انقلاب أمر العلم الإجمالي إلى علم تفصيلي بتعلق التكليف حقيقة بهذا الطرف، ويخرج الطرف الآخر عن طرفية العلم الإجمالي لو لم يصر عدم التكليف فيه معلوما.
وأما إن كانت في مرحلة الظاهر فقط فقد يستشكل هذا النحو من الترخيص بناء على مبنى الأعاظم، بما عرفت من أن العلم الإجمالي إذا أوجب أن يكون الترخيص في طرفيه إذنا في المعصية أو الظلم، ومناقضا لكون البعث حقيقيا