فيه ما لا يخفى، فإنه بعد تسليم أن عنوان الاضطرار إلى الحرام منطبق على ما يختاره لرفع الاضطرار - كما هو المفروض في كلامه - يكون مقتضى أدلة الاضطرار ارتفاع الحرمة وتبدلها بالحلية الواقعية حينئذ، فإن مفاد حديث الرفع وموثقة أبي بصير هو رفع ما اضطر إليه وحليته، وبعد ذلك فإذا احتملنا انطباق الحرمة على ما يختاره كان معناه تبدلها بالحلية الواقعية، وبعد هذا الاحتمال يكون الطرف الباقي مشكوك الحرمة شكا بدويا تجري البراءة عنه، فمآل الأمر إلى البراءة، لا إلى التوسط في التكليف الذي ذكره.
هذا كله حكم سبق الاضطرار على التكليف أو مقارنته له.
وأما إذا كان تعلق التكليف قبل حدوث الاضطرار، فإن كان علمه بالتكليف بعد طرو الاضطرار أو معه فحكمه حكم سبق الاضطرار، فإنه قبل العلم بتعلق التكليف فليس التكليف الواقعي في حقه فعليا، وذلك أنه إن كان قبل حصول العلم شاكا في كلا الطرفين يجري فيهما أصالة البراءة والحل، وإن كان غافلا عنه أو قامت عنده حجة من قطع أو غيره على عدم التكليف فنفس هذه الغفلة أو هذه الحجة عذر له مرخص له الارتكاب، بل ربما يقال بجريان أدلة البراءة حينئذ في حقه في الطرفين بناء على عدم اشتراط جريان أدلة الأصول بالشك الفعلي - كما هو الأقوى، فكيف كان فلا ريب في عدم فعلية التكليف عليه قبل حصول العلم، وإذا حصل له العلم به فالمفروض أنه مضطر إلى أحد الطرفين، معينا أو غير معين، فالتكليف مرفوع عن هذا الطرف، والطرف الباقي يجري فيه أدلة البراءة، كما عرفت تفصيله.
وإن كان قد علم بوجود التكليف في أحد الطرفين إجمالا فتنجز في حقه التكليف ثم طرأ له الاضطرار إلى بعض الأطراف فالاضطرار لما كان حدا شرعيا للتكليف - كما عرفت - كما أن انتفاء الموضوع أيضا حد عقلي له لا يتصور شمول إطلاق لا تشرب الخمر - المنطبق على مصداق منها - كما إذا انعدم الخمر الموجودة فلا يصح الفرق بينهما، كما في الكفاية، فلا محالة يعلم بتعلق تكليف