بداعي جعل الداعي فهذا لا يكون إلا بأن يصير التكليف الواقعي في مرتبة التنجز، فمعه لا يعقل بدلية أحد الطرفين في الظاهر، فإنه لو كان التكليف في الطرف الآخر، فترخيص ترك امتثاله إذن في المعصية والظلم، ومناقض لداعي البعث أو الزجر الحقيقي، نعم، يمكن أن يقال: إن العقلاء لا يرون الترخيص الكذائي إذنا في المعصية، لكونه في طريق امتثال التكليف المعلوم إجمالا بوجه، لكنه عدول عن ذاك الوجه العقلي إلى وجه آخر. وقد عرفت ما هو التحقيق لدينا.
ومنها: أن تقوم بينة أو طريق معتبر على الطرفين بتعلق التكليف بهذا دون ذاك، أو تقوم بينة أو طريق في أحدهما بحيث كان لازمه اتضاح حال الطرف الآخر، لمكان العلم بأن أحدهما فقط موضوع التكليف دون الآخر، أو بحيث صار الآخر مشكوكا محضا، كأن قامت بينة بخمرية أحد الإناءين فصار الآخر مشكوكا فيه، يجري فيه أصالة البراءة والحل، ففي هذه الصور فالعلم الإجمالي إذا كان في مصداق القطع وإن لم ينحل حقيقة إلا أنه لا ريب في حجية الطريق المفروض فيؤخذ به وبلازمه، ويخرج ما قام عليه الطريق عن أدلة الأصول، ويختص ذاك الطرف المشكوك بجريان البراءة أو الحل فيه بلا معارض. والإشكال المذكور في الصورة السابقة يجري هنا أيضا مع جوابه، فتأمل جيدا.
ومنها: أن يختلف طرفا العلم من حيث الأصول الجارية فيهما، فيجري في أحدهما أصل ناف للتكليف، وكان الطرف الآخر مجرى لأصل مثبت ومحرز للتكليف، كأن علم إجمالا بعد دخول وقت المغرب ومضي مقدار منه بأنه إما لم يصل صلاة المغرب، وإما لم يصل صلاة العصر التي انقضى وقتها، فإن صلاة المغرب يجري فيها قاعدة الاشتغال أو استصحابه، ويحكم عليها بلزوم الإتيان.
كما أن صلاة العصر مجرى لقاعدة الشك بعد الوقت، ولا يجب قضاؤها، وكلا القاعدتين لا معارض لهما، وإشكال لزوم المحاذير المذكورة - بناء على مبني القوم - جار هنا أيضا. وإن كان لا شك في أن الحكم هو الرجوع إلى القاعدتين.
والله الموفق وهو الهادي والعاصم.