انه إذا كان عنده شيئان أحدهما حرام بعنوان أنه خمر - مثلا - والآخر حرام بعنوان أنه مغصوب - مثلا - واضطر إلى ارتكاب أحدهما فلا ينبغي الريب في أن العرف يفهم من مثل حديث " رفع عن أمتي ما اضطروا إليه " ومن مثل موثقة أبي بصير الماضية: أنه يجوز له اختيار أحدهما وارتكابه لرفع اضطراره فهكذا في ما نحن فيه، أي من الطرفين اختاره ورفع به اضطراره - بعد فرض جهله بخصوص الحرام الواقعي - فلو كان مختاره حراما واقعيا - مع قطع النظر عن اضطراره - لكان حدوث الاضطرار موجبا لحليته وارتفاع الحرمة عنه.
وعليه فأحدهما يجوز ويحل ارتكابه، لمكان الاضطرار، وحيث إن هذا الجواز والحلية هو مستند ارتكابه فلا محالة يكون ثابتا قبل الارتكاب، فبمجرد طرو الاضطرار إلى أحد طرفي العلم يكون أحدهما الذي يختاره حلالا واقعا، وحيث إنه يحتمل انطباق المعلوم بالإجمال عليه يكون الطرف الباقي أيا منهما كان مشكوك الحل والحرمة شكا بدويا فتجري البراءة عنه بلا شبهة.
وأما ما في كلام الشيخ الأعظم (قدس سره)، وتبعه آخرون من: أنه في صورة الاضطرار إلى غير المعين لا يضطر إلى ارتكاب الحرام بشهادة أنه لو كان عالما تفصيلا بالحرام لما كان يجوز له مد اليد إليه، بل وجب عليه رفع ضرورته بالفرد الآخر الحلال، فلا اضطرار له إلى الحرام، فلا وجه لرفع الحرمة هنا بالاضطرار فمدفوع: بأن ضم الجهل بتفصيل الأمر إلى أصل الاضطرار يوجب صدق المضطر إليه على ما يختاره لرفع ضرورته إذا صادف كونه الحرام الواقعي فترتفع حرمته، فمع احتمال الانطباق يكون لازمه إجراء البراءة عن الطرف الآخر، كما مر.
كما أن ما في كلام بعض الأعاظم (قدس سرهم) من أن الاضطرار إلى الجامع، والجامع ليس بحرام، لضرورة انطباقه على الحلال أيضا، فليس مضطرا إلى الحرام، فلا ترتفع حرمته، غاية الأمر أنه يحتمل انطباق الحرام على ما يختاره لرفع اضطراره لفرض جهله به، وهو لا يوجب إلا الترخيص الظاهري، فالحكم الواقعي ثابت على كل تقدير، ومعه فلا يمكن الرجوع إلى البراءة في الطرف الآخر، فإنه يوجب