أما أولا: فلأن مقتضى يد البائع ملكيته لما يشتريه منه، وقد حكم الشارع بحجيتها في هذا المقدار.
وأما ثانيا: فلأن ما في يد البائع قبل أن يشتريه منه معلوم الحرمة، لكونه ملكا للبائع أو للمسروق منه، وإذا اشترى منه - وهو لا يريد شراء غيره - فلا بأس بشمول " كل شئ حلال " لما اشتراه، لا سيما بالبيان الذي تقدم ذكره منا ذيل خبر مسعدة بن صدقة.
وبالجملة: فمورد الصحيحة الحكم بجواز ترتيب آثار الملك على ما يؤخذ ممن يكون في أمواله حرام، ولا عموم فيها لجميع موارد العلم الإجمالي، ولا بأس بالأخذ بها.
ومنها: صحيحة الحلبي، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: أتى رجل أبي فقال: إني ورثت مالا، وقد علمت أن صاحبه الذي ورثته منه قد كان يربو، وقد أعرف أن فيه ربا وأستيقن ذلك، وليس يطيب لي حلاله لحال علمي فيه، وقد سألت فقهاء أهل العراق وأهل الحجاز، فقالوا: لا يحل أكله، فقال أبو جعفر (عليه السلام): " إن كنت تعلم بأن فيه مالا معروفا ربا وتعرف أهله فخذ رأس مالك، ورد ما سوى ذلك، وإن كان مختلطا فكله هنيئا مريئا فإن المال مالك، واجتنب ما كان يصنع صاحبه.
الحديث " (1).
ونحوها صحيحة أخرى للحلبي (2)، ورواية أبي الربيع الشامي (3)، ودلالتها على أن اختلاط الربا الحرام بالمال الحلال يوجب صيرورة الكل حلالا، وهو ترخيص الإقدام على جميع أطراف العلم الإجمالي.
وفيه: أن ظاهر هذه الأخبار ارتفاع الحرمة إذا اختلط الربا بمال حلال في يد الرابي، ثم انتقل منه بالإرث إلى وارثه، فجميع المال المشتمل على الربا حلال للوارث وماله، ويأكله هنيئا مريئا، ولا بأس بأن يكون حكم الحرمة الواقعية