الارتكاز المذكور كاف في إلغاء الخصوصية عن موردها، وانفهام أن الروايات بصدد إمضاء تلك القاعدة العقلائية، بل الرواة أنفسهم بمقتضى ارتكازهم يقفون في أطراف العلم، ولذا قاموا بصدد السؤال عن حكمه، بل كان هذه القاعدة العقلائية مركوزة في أذهانهم، كما يشير إليه مكاتبة صفوان بن يحيى الماضية "... وحضرت الصلاة وخاف فوتها وليس عنده ماء... " فارتكازه على وجوب غسل الثوب المشكوك الذي من أطراف العلم الإجمالي بالنجاسة، وإنما سأل عن حكم عدم الظفر بالماء عند ضيق الوقت، والمعصوم (عليه السلام) قرره على هذا الارتكاز وأرشده إلى الأخذ بطريقة الاحتياط.
ومنها: ما رواه الشيخ بسندين معتبرين، عن علي بن أسباط، عن غير واحد من أصحابنا، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: " من نسي من صلاة يومه واحدة ولم يدر أي صلاة هي صلى ركعتين وثلاثا وأربعا " (1).
ونحوه ما رواه البرقي بإسناد معتبر عن الحسين بن سعيد يرفع الحديث قال:
سئل أبو عبد الله (عليه السلام) عن رجل نسي من الصلوات لا يدري أيتها هي؟ قال:
" يصلي ثلاثة وأربعة وركعتين، فإن كانت الظهر أو العصر أو العشاء فقد صلى أربعا، وإن كانت المغرب أو الغداة فقد صلى " (2).
ووجه دلالتهما: أن إطلاقهما يشمل ما إذا حصل التذكر لنسيانه وتردده في كل من الصلوات الخمس اليومية في زمان واحد وبعد انقضاء وقت جميعها، وحينئذ فلو كان الأصل النافي جاريا في أطراف العلم الإجمالي لكان مقتضى استصحاب عدم وجوب قضاء كل منها حاكما بعدم اشتغال الذمة بشئ منها، ومع الإغماض عنه كان مقتضى قاعدة الشك بعد مضي الوقت في كل منها ذلك، فعدم اعتناء الشرع بالاستصحاب ولا بالقاعدة وحكمه بوجوب الإتيان بثلاث صلوات دليل قاطع على أن حكم العقلاء بالاحتياط التام ممضي في الشريعة أيضا.