وقد استشكل دلالة الحديث على البراءة من وجهين:
أحدهما: من حيث إنه لا يعم الشبهات الحكمية، فإن الأمثلة المذكورة فيه، وجعل غاية الحلية قيام البينة على الحرمة - كما في ذيله - قرينتان على اختصاصه بالشبهة الموضوعية، وقد يذكر قرينة ثالثة: هي لفظة " بعينه " التي بمعنى " بشخصه "، وهو أيضا مناسب للأمور الجزئية الشخصية في الشبهات الموضوعية.
ثانيهما: أن الحلية المذكورة في الحديث ليست أصالة الحل المساوقة أو الداخلة تحت قاعدة البراءة، وذلك أن الأمثلة المذكورة فيه ليس الحل فيها مستندا إلى تلك القاعدة، بل في مثال " الثوب " و " العبد " إلى قاعدة اليد، وفي مثال الامرأة إلى استصحاب عدم تحقق الرضاع المحرم أو استصحاب عدم تحقق النسب عدما أزليا، وقاعدة اليد أمارة حاكمة على كل أصل أو واردة، والاستصحاب أيضا حاكم على أصالة الحل وقاعدة البراءة، ولو اغمض عن اليد والاستصحاب كان مقتضى الاستصحاب عدم حصول الملكية والزوجية، والاستصحاب حاكم على الأصول.
أقول: أما الوجه الأول: فالجواب عنه: أن أصالة الحل المذكورة في الحديث إذا كانت عامة لجميع موارد الشك في الحرمة فجميع الأشياء التي لم يعلم حرمتها مشمولة له محكوم عليها بالحل، فأصالة الحل كبرى كلية، والأمثلة المذكورة مصاديق لها وجزئيات، ولا يجب في ذكر المثال أن يذكر جميع الأنواع المتصورة إذا لم يكن المتكلم بصدد بيان الأنواع المختلفة.
كما أن قيام البينة وإن اختص بالشبهة الموضوعية إلا أنه يمكن أن يقال: إن الاستبانة المذكورة في الذيل تعم الاستبانة العلمية القطعية، وغيرها الحاصل بمثل خبر الواحد والظواهر، وعليه فذكر قيام البينة بعد الاستبانة من قبيل ذكر الخاص بعد العام لا شاهد فيه على الاختصاص.
وأما لفظة " البينة " فلا دلالة فيها على أزيد من أن يكون العلم بحرمة الشئ في قالب التعيين، لا الإبهام وعدم التعيين في قبال ما إذا علم بحرمة " شئ ما " علما إجماليا يخرج أطرافه عن الحصر، أو عن الابتلاء به في خصوص الشبهات