إمضاء المسبب - الذي يقتضيه على ذلك أدلة الإمضاء - لا يلازم إمضاء السبب، وما يقال: من أن إمضاء المسبب يلازم عرفا إمضاء السبب، إذ لولا إمضاء السبب كان إمضاء المسبب لغوا فليس بشئ، فإن اللغوية إنما تكون إذا لم يجعل الشارع سببا ولم يمض سببا أصلا، إذ لا لغوية لو جعل أو أمضى سببا في الجملة، غايته أنه يلزم الأخذ حينئذ بالمتيقن.
قال (قدس سره): فالتحقيق في حل الإشكال: أن باب المعاملات ليس من باب الأسباب والمسببات، بل إنما هي من باب الايجاد بالآلة، والفرق بينهما أن المسبب بنفسه ليس فعلا اختياريا متعلقا لإرادة الفاعل، وأن ما تتعلق به ارادته هو السبب بخلاف باب الايجاد بالآلة، فإن ما يوجد بالآلة - كالكتابة - بنفسه فعل اختياري للفاعل، ومتعلق لإرادته وصادر عنه، وعليه فالبيع - مثلا - بنفسه فعل اختياري للفاعل متعلق لإرادته أولا وبالذات، ومعنى حلية البيع حلية إيجاده، فكل ما كان إيجادا للبيع بنظر العرف مندرج تحت إطلاق قوله تعالى: * (أحل الله البيع) *، والمفروض أن العقد بالفارسية - مثلا - مصداق لإيجاد البيع بنظر العرف فيشمله الإطلاق، وهكذا الكلام في سائر الأدلة وسائر أبواب العقود والإيقاعات (1). انتهى.
أقول: لو سلمنا ما أفاده من الفرق بين البابين فلا دخل لما أفاده من الملاك في دلالة الأدلة على إمضاء الأسباب لا إثباتا ولا نفيا، بل تمام الملاك إنما هو أن يكون الشارع في هذه الأدلة بصدد بيان ما هو تمام الموضوع لحكمه، فإذا ثبت ذلك دلت الأدلة على إمضاء الأسباب، كما أنه لو لم يثبت لما دلت عليه، سواء أكان باب المعاملات من قبيل الأسباب والمسببات أم كان من قبيل الإيجاد بالآلة.
وذلك أنه لو لم يكن في مقام البيان فإنما تدل على أن البيع أو غيره من المعاملات ممضي في الجملة، ولا إطلاق لها يرفع الشك عن موارده، وكان اللازم الأخذ بالمتيقن والرجوع إلى أصالة الفساد في غيره، وهو واضح.