أمرا شرطا للصحة مما ليس شرطا لها في العرف، ويرجع اعتباره - بناء على قول الصحيحي - إلى الاختلاف بين العرف والشرع في المصاديق لا المفاهيم، فيرى العرف البيع الربوي مصداقا للبيع، لرأيه بترتب أثر الملك عليه، ولا يراه الشارع بيعا، لعدم ترتب الأثر عليه، إلا أن هذا الاختلاف لا يرجع إلى تخطئة الشارع لتشخيص العرف وتخيله أن هذا مصداق للمعاملة كما في الكفاية (1) فإن التخطئة في المصداق إنما تتصور فيما كان للشئ وجود واقعي وكان نظر العرف طريقا إليه، وأما إذا كان قوام المصداق بالاعتبار، والعرف كان هو المعتبر، وكان المفروض أنه يعتبر المصداق حتى في ما كان هناك ربا فلا يتصور معنى لصدق التخطئة، اللهم إلا أن يراد تخطئتهم في ملاحظة الملاكات والمصالح الداعية إلى الاعتبار، لكنه خلاف ظاهر العبارة، وكيف كان فالأمر سهل.
هذا بناء على وضع ألفاظها للمسببات.
وأما بناء على وضعها للأسباب وأداة الإنشاء فعلى القول بالأعم لا يختلف مفهومها ولا مصداقها في العرف والشرع، وأما على القول بالصحيح فالظاهر اختلاف العرف والشرع في مفهومها، فالبيع - مثلا - في العرف هو ما كان مدلوله تمليك مال بعوض عن جد إليه. وفي الشرع يزاد عليه الشرائط المعتبرة في صحته في الشريعة، ولا يمكن تصوير مفهوم واحد إلا بأن يقيد بمفهوم الصحة أو بترتب الأثر. ومن الواضح أن القائل بالوضع لخصوص الصحيح - سواء في العبادات والمعاملات - إنما يقول بوضع ألفاظها لما هو مطابق للصحيح، لا أن الصحة وما يرادفها مأخوذة بمفهومها في معنى العبادة أو المعاملة، فالبيع في الشرع - مثلا على هذا القول - عبارة عن الإيجاب والقبول العربيين الصادرين عن البالغ العاقل الرشيد غير المحجور عليه ولا المكره الواقعين على عوضين معلومين مملوكين لهما أو لمن فوض إليهما أمرهما، في عين أنه في العرف ما كان مدلوله تمليك مال بعوض صادرا عن كامل العقل مرخي العنان، وإن لم يكن العوضان معلومين بتلك