تحريميا تكليفيا بها، وأما البحث عن أن ظاهر النهي هو الحرمة تكليفا أو غيره فهو أمر آخر.
فنقول: إن النهي إما نفسي وإما غيري، وكل منهما إما أن يتعلق بنفس عنوان العبادة أو بعنوان آخر منطبق عليها، أما النهي النفسي المتعلق بذات العبادة فلا ريب في كشفه عن فسادها، إذ العبادة متقومة بقصد القربة، أعني الإتيان بها له تعالى، وهذا المعنى لا يعقل إلا فيما كان راجحا لديه مطلوبا له تعالى، فإذا نهى عن عمل بذاته فلا محالة يكون هذا العمل وإن اشتمل على مصلحة ما مبغوضا بذاته عنده غير مطلوب له، فسواء علم به العبد أم لم يعلم، فهو مرجوح عنده واقعا لا يعقل وقوعه عبادة، مضافا إلى أن حال الالتفات لا يتمشى قصدها أيضا.
ومنه تعرف النظر فيما في المقالات (1)، من منع البطلان فيما كان جاهلا بالحرمة، بملاحظة أن كون غالب المنهيات غيرية لبا يوجب تعلق الحب والبغض بما فيه مفسدة ومصلحة، وإن كانتا في ذات العبادة فتصير كالمتزاحمين، ويختص البطلان فيها أيضا بما إذا تنجز نهيه.
وذلك أنه إذا نهى عن أمر نفسيا كشف نهيه عن أنه أمر ليس المولى بصدد تحصيله، بل بصدد تحصيل تركه، وإن كان قيامه بهذا الصدد لغلبة مفسدته الذاتية على مصلحته، فإذا قام بصدد تحصيل تركه وكان غير راجح عنده بل مرجوحا، لا يعقل وقوعه عبادة أبدا. هذا.
وأما النهي النفسي المتعلق بعنوان منطبق على العبادة - بناء على أنه من النهي عن العبادة كما على القول بالامتناع - فإن كانت للعبادة مندوحة، لكنه أتى بها في المجمع بسوء اختياره، فحيث إن مقتضى النهي عنه إنما هو قصر سعة طلبه وتخصيصه بغير المجمع من غير تقييد لمتعلق الطلب، بل متعلقه هناك أيضا نفس الطبيعة، والمفروض - بمقتضى وجود المندوحة - أن المولى قام بصدد استيفاء غرضه وأمر بهذه الطبيعة، فكانت الطبيعة راجحة لديه، فلا قصور في المجمع بعد