اشتماله على الغرض الراجح عند المولى، أن يؤتى به طلبا لتحصيل هذا الغرض، ويكون امتثالا لذلك الأمر، وإن كان عاصيا في مخالفة هذا النهي أيضا.
نعم، إذا لم يكن لها مندوحة، فإن قلنا: ببقاء الأمر على فعليته، وكون العجز عذرا فقط، فحاله حال وجود المندوحة، وأما إن قلنا: بسقوطه عن فعليته، فالمولى رفع اليد عن المطلوبية، وهو بالفعل قد نهى عن العبادة فكانت عنده مطلوبة الترك، وما حاله هذا كيف يؤتى به لأجل المولى؟ اللهم! إلا أن يكون جاهلا بالحرمة جهلا يكون فيه معذورا، إذ معه تسقط الحرمة عن الفعلية، ومعه لا مانع من فعلية الأمر، فتصح العبادة كما مر تفصيله في مبحث الاجتماع فتذكر.
وأما النهي الغيري فطلب ترك العمل والنهي عنه إنما هو لأجل العمل بوظيفة أخرى، وإلا فهو بنفسه مطلوب، فبعد البناء على مخالفة تلك الوظيفة لا بأس بإتيان العمل له تعالى. هذا.
وأما الإشكال في تصوير تعلق النهي النفسي التحريمي بذات العبادة، فهو مع جوابه مذكور في الكفاية، بلا حاجة إلى الالتزام بأن المنهي هو المأتي به تشريعا، وإلا فلا دليل على حرمة التشريع، وذلك أنه إن أريد منه ما يتوقف على عقد القلب بوجوب ما ليس بواجب جزما فهو غير ممكن، فإنه لا يعقل عقد القلب بخلاف ما يعتقده، وإن أريد به البناء القلبي على أن يعمل معه خارجا معاملة الواجب، فأي دليل على حرمة هذا البناء أو العمل على طبقه، وكيف يكون نفس هذا البناء أو مع العمل على طبقه تصرفا في سلطان المولى؟ أم كيف يكون التصرف في سلطانه هذا التصرف حراما شرعيا، نعم، ما ثبت بالأدلة حرمته هو إدخال ما ليس من الدين فيه، وهو مساوق للبدعة، وإدخال شئ في الدين بين الناس بحيث يترتب عليه خارجا - ولو عند بعض - آثار ما هو جزء من الدين، ويعد عندهم منه. هذا. مضافا إلى أن المعقول من التشريع لا يصحح القربة المعتبرة في العبادات، إذ البناء القلبي لا يوجب كونه مطلوبا للمولى حتى يأتي به له تعالى.
هذا كله في النهي التحريمي.