الخامس: أن إطلاق لفظ " الشئ " وإن عم كل شئ إلا أن البحث لما كان عن اقتضاء النهي لفساده فلا محالة يختص بما كان قابلا للاتصاف بالصحة والفساد، والظاهر أن الاتصاف بهما إنما يكون فيما كان للشئ بطبيعته أثر شرعي مطلوب للمولى أو العبد، بحيث يكون المولى بأمره أو العبد بفعله في مقام تحصيله، كالمعاملات بالمعنى الأخص والواجبات أو المستحبات الشرعية، فما ليس له أثر شرعي كذلك فهو خارج عن محل النزاع، فمثل أسباب الضمان مطلقا لا يدخل في محل النزاع، وإن كان مما يترتب عليه أثر الضمان بعض الأوقات دون بعض، فإن اليد على مال الغير موجبة للضمان إذا كانت بغير إذنه، وغير موجبة له إذا كانت بإذنه، كما أن الغسل موجب للطهارة إذا كان واجدا للشرائط، وغير موجب لها إذا لم يكن واجدا لها، والوجه في خروجه أنها لا تتصف بالصحة والفساد لعدم ترتب أثر مطلوب عليها، كما لا يخفى.
ومنه تعرف خروج العبادة بالمعنى الأعم، أعني التوصلي المأتي بقصد أمره، عن محل النزاع، إذ الغرض المطلوب من طبع التوصلي غير موقوف على قصد القربة، فلا يتصف بالصحة والفساد إلا من ناحيته، لا من ناحية الثواب الغير المطلوب فيه.
نعم، لعل ملاك البحث في العبادات بالمعنى الأخص يشمله ويعرف حكمه منها، ومما ذكرنا تعرف النظر فيما يظهر من الكفاية وغيرها من أن ملاك الاتصاف بهما صرف ترتب الأثر وعدمه، فراجع.
السادس: حيث إن ملاك الفساد ومنشأه هو منافاة المبغوضية الفعلية للمحبوبية أو ترتب الأثر، وهي غير النهي الذي هو الزجر الإنشائي، والمفروض أنه قد أسند الاقتضاء في العنوان إلى نفس النهي، فلا محالة لابد وأن يراد من الاقتضاء الاستلزام والكشف، لا السببية والمنشئية، وعليه فلا وجه لدعوى ظهور العنوان في أن المبحوث عنه هو الفساد الناشئ عن قصور في المصلحة، لا هو والناشئ عن قصور في التقرب، كما في المجمع لعنوانين مأمور به ومنهي عنه.