النهي على الفساد في المعاملات، مع انكار قائله الملازمة بين الحرمة والفساد فيها، ولم يكن له حينئذ وجه إلا دعوى دلالة النهي عليه دلالة التزامية، فلذلك يصح عدها من مباحث الألفاظ.
أقول: والظاهر أن هذا القائل هو صاحب الفصول (قدس سره) (1) فإنه اختار دلالته على الفساد في العبادات عقلا وعرفا ولغة، وفي المعاملات بالدلالة الالتزامية عرفا فقط، وصرح بما لفظه: لو ثبت التحريم بدليل غير لفظي كالإجماع والعقل لم يحكم بالفساد (2) " انتهى " وبين (قدس سره) كيفية هذه الدلالة بنحو لا مجال للإيراد عليه، بأن حقيقة الدلالة الإلتزامية هو الانتقال من معنى إلى ما يلزمه لزوما بينا، فلا بد فيها مضافا إلى الملازمة كونها بينة، وبعد انكار الملازمة فلا مساغ لدعوى الدلالة الإلتزامية، فراجع.
ثم إنه ينبغي أن يكون النزاع في أصل الاقتضاء وعدمه، من غير نظر إلى خصوص دليل لفظي أو غيره - كما مر نظيره في بحث مقدمة الواجب -، والمراجعة إلى استدلالات الطرفين يشهد على أنه وقع كذلك، فربما يستدلون بدلالة اللفظ، وأخرى بحكم العقل، وثالثة بملازمات عقلية، وحينئذ فيكون المسألة أعم من هذه الجهات، ويبحث فيها عن ثبوت الملازمة بين الحرمة والفساد، لكي يستنتج منها فساد الشئ إذا كان متعلقا للحرمة.
ومنه تعرف كونها أصولية فتدبر جيدا.
الثالث: ظاهر لفظ النهي الواقع في عنوان النزاع يعم كل نهي، سواء كان تنزيهيا أو تحريميا، نفسيا أو غيريا، ولا ينافي ذلك انفهام خصوص التحريمي النفسي من إطلاق الزجر بهيأة لا تفعل أو مادة النهي، وذلك أن لفظ النهي كسائر المطلقات إنما وضع لطبيعة المنع الصادق في جميع هذه الأقسام، وانفهام