حقيقة البعث بأن يمكن أن يكون داعيا ومحركا للمكلفين إذا علموا به، وإن كان بوجوده العلمي داعيا لهم، فإذا فرض اشتراط وجوده بإرادة المكلف فالمكلف الملتفت إلى خصوصيات الامر، يعلم بأنه ليس من الأمر عين ولا أثر لولا ارادته، فمع علمه بعدم الأمر كيف ينشأ ارادته عن الأمر، ويدعوه ويحركه الأمر إلى الاتيان حتى يكون ارادته لعلمه بالأمر، اللهم! إلا أن يقال: إن هذا إنما هو على ظاهر أصولهم وقواعدهم، وأما على ما عرفت تحقيقه من أن حقيقة كون الأمر داعيا ليست إلا أن يكون غرض المكلف من عمله صرف موافقته لما أمر به مولاه لأنه أمر به، وعليه فإذا علم أنه إذا أراد العمل إرادة تكوينية يبعث ويأمر به مولاه ويتحقق موضوع غرضه، فلا محالة يريده ويأتي به بغرض وداعي أن يوافق بعمله أمر المولى باتيانه بما يأمر به، فتدبر جيدا.
وكيف كان فلا ريب في بطلان هذه المقالة، وحينئذ فهل الواجب هو ذات المقدمة مطلقا، أو المقدمة بما هي مقدمة بالتفسير الذي مر آنفا، أو ذاتها مقيدة بقيد قصد التوصل، أو الذات بشرط الايصال، أو حين الايصال، أو الموصل بما هو موصل؟ وجوه:
ظاهر التقريرات (1) - كما يظهر بالتدبر فيها على تشوش عباراتها - أن الواجب هو المقدمة التي أتى بها للتوصل إلى ذيها وإن لم يترتب عليها، وأحسن وجه لاعتبار قصد التوصل: هو أن اعتباره ليس لدخله في ملاك الوجوب الذي تراه أنه مجرد التوقف وأنها لولاها لما أمكن ذوها، حتى يرد عليه ما في الكفاية، بل لأن الواجب - كما عرفت من التقريرات - هو عنوان المقدمة بلحاظ أنه الملاك لحكم العقل، وملاكات حكمه موضوعات له، ولا شك أن المأمور به لابد وأن يكون من أفعال المكلف الاختيارية، وكل عنوان إنما يكون اختياريا إذا قصد المكلف وقوعه، فحفظا لاعتبار شرط الاختيار والقدرة في متعلق هذا التكليف لابد وأن يقيد عنوان المقدمة بصدوره عن قصد وإرادة حتى يصح التكليف بها،