محكمة مقتضية لوجوب الإعادة في الوقت، والقضاء خارجه، فإن هذا اللسان - أعني لسان وجوب المضي وعدم الاعتناء - لا يقتضي ورود التخصيص على الإطلاقات الأولية، بل غايته تجويز المخالفة، فمع كشف الحال وعدم الإطلاق في أدلة القاعدة يعمل بمقتضى الإطلاقات، مضافا إلى أنه لو اقتضى التخصيص فالجمع بينه وبين الإطلاقات عدم وجوب الإتيان بالواقع إذا انكشف الأمر بعد مضي الوقت، لا في أثنائه، فيجب الإعادة على كل حال.
وثانيا: أن الأمر بعنوان المضي نفسه محتمل لان يكون بملاك رفع يد الشارع عن الواقع، ولأن يكون بملاك التعبد بالإتيان به، وقوله في موثقة بكير: " هو حين يتوضأ أذكر " (1)، وفي صحيحة الفضيل: " بلى قد ركعت " (2) يكون قرينة على تعين الاحتمال الثاني، فغاية مفاد القاعدة هو التعبد بوجود المشكوك، ثم نرتب عليه آثار وجوده بملاحظة إحرازنا له بالتعبد بإحرازه، من غير أن يكون ترتب الآثار أيضا متعبدا به شرعا، فإذا علم أن الإحراز لم يطابق الواقع يعلم ببقاء الأمر الشرعي على ما كان، فيجب امتثاله بالإعادة أو القضاء.
ومن الأصول: قاعدة البراءة: وهي جارية لتنقيح موضوع التكليف وللبراءة عن أصله، والسنة أدلتها مختلفة إلا أن ظاهر حديث الرفع - وهو عمدتها - أن المجهول مرفوع ما دام الجهل، فيحكم على الجزئية أو الشرطية أو المانعية المشكوكة، أو المانع المشكوك وجوده بالعدم في زمان عدم العلم، لا بمعنى إحراز عدمه، فإنه خلاف ظاهر لسانه، بل بمعنى محكوميته بالعدم، ولازمه الإجزاء بعد كشف الخلاف، بمثل التقريب الذي مر في أصالة الطهارة، فتذكر.
لكن لا يبعد أن يقال: إن مفاد الحديث ليس أزيد من أن الحكم المجهول بحكم العدم، ولازمه أن لا يؤخذ المكلف بما كان مجهولا ولأجل جهله، أما إذا تبين الواقع وعلم بالحكم فلا غرو في أن يؤخذ بعلمه وبحكم معلوم، فالظاهر عدم