قلت: إن حديث الرفع جار بحسب الواقع ونفس الأمر مع عدم مطابقة الأمارة للواقع، لمكان انحفاظ موضوعه كما عرفت، لكن المكلف عند قيام الأمارة وعدم انكشاف الخلاف يرى نفسه عالما بالواقع حقيقة أو حكما، فيرى نفسه خارجا عن عموم الحديث غير مشمول له، فلا يجري الحديث في حق نفسه، وهذا معنى الحكومة، وبعد انكشاف الخلاف وارتفاع الحجاب يعلم بأن اعتقاده السابق كان خطأ، وكان هو داخلا في عمومه كالشاك، فالحكومة حكومة ظاهرية، ومقتضاها ما عرفت، ولا نعترف ولا نسلم أزيد منها.
وما يقال: من أن الظاهر مما لا يعلم ما جهل حاله رأسا لا ما قامت الحجة على عدمه، خلاف الإطلاق، فلا يصغى إليه، هذا.
وأما إن قلنا بالسببية فالإجزاء وعدمه بحسب الثبوت مبني على وفاء المأتي به أو تفويته، وعدمهما، كما في الكفاية (1). وأما في مقام الإثبات فبعد الإغماض عن أن السببية بجميع احتمالاتها خلاف التحقيق - كما هو مبين في محله - نقول:
إن قلنا بالسببية وحدوث المصلحة السلوكية بالتقريب الذي في رسائل الشيخ الأعظم (2) فهو لا يوجب الإجزاء، لا إعادة ولا قضاء. وإن قلنا بها بتقريب أن جعل الشارع لهذه الأمارات في مقام تحصيل مراداته مع علمه بأنها كثيرا ما تتخلف عن الواقع شاهد ودليل على وجود مثل مصلحة الواقع الفائتة في مؤداها ولو عند التخلف، فالإتيان بمؤداها إتيان بالواقع بحسب الملاك، ومقتضاه الإجزاء ولو انكشف الخلاف، إذ المصلحة لو قامت بالمؤدى في الأمارة المخالفة، فلا يفرق فيه بين انكشاف الواقع في هذا العالم، وعدمه، بعد تسليم التقريب المذكور.
وأما إن قلنا بالسببية بتقريب أن ظاهر الأمر بتصديق العادل وجود المصلحة في متعلقه فهو لا يقتضي الإجزاء، إذ يحتمل عدم وفاء هذه المصلحة بمصلحة الواقع وعدم تفويتها لمحلها، ومقتضى إطلاق دليل الواقع وجوب الواقع على مثله،