المباشرة.
هذا هو حكم الصور بحسب مقام الثبوت، ومن تصورها يظهر أنه لا ملازمة بين جواز الاستنابة وجواز التبرع بحسب القواعد الأولية، إذ لو كان غرض المولى من قبيل ما فرضناه في الصورة الثالثة والرابعة لجرى فيه الاستنابة دون التبرع، ومنه تعرف النظر في ما أفاده بعض الأعاظم (قدس سره) (1) من الملازمة بينهما لو أراد ذلك بحسب القواعد. هذا.
وأما في عالم الإثبات: فالظاهر أن إطلاق الهيأة يقتضي لزوم المباشرة، وذلك أن الهيأة كما تدل على وقوع المادة عن الفاعل في الماضي والمضارع، وهو ظاهر وحقيقة عرفا في وقوعها عنه بنفسه، فهكذا في فعل الأمر تدل على لزوم صيرورة فاعله بحيث يصح له بلا تأول أن يخبر عن نفسه بالفعل الماضي أو المضارع، فحقيقة البعث الذي مفاد الهيأة هذا النحو من البعث، ومعلوم أنه لا يتم إلا بمباشرة الفاعل المبعوث للمادة المبعوث إليها، فالمكلف به بحسب الواقع هو خصوص الفعل الصادر عنه بالمباشرة، وإن كان بحسب ظاهر الكلام نفس الطبيعة، فالخصوصية داخلة في مفاد الهيأة ومستلزمة لتقيد المادة لبا لا لفظا، ومعه فلا وجه لتوهم أن إطلاق المادة يقتضي قيام المصلحة والغرض بنفس الطبيعة مطلقا. هذا حكم الإطلاق اللفظي.
ولو لم يكن إطلاق ووصلت النوبة إلى الأصول العملية فأنواع الشك مختلفة:
فإن شك في أن فعل الغير - الذي لم يتعلق به التكليف وإنما يفعله لأغراض نفسه - هل هو محصل لغرض المولى كما كان كذلك في الصورة الأولى من الصور الست الماضية أم لا؟ فبناء على ما عرفت من أن حصول الغرض بفعل الغير هاهنا مثل حصوله بإطاعة المكلف نفسه مسقط للتكليف من دون أن يوجب في الأمر أي تقييد، فالمعلوم للمكلف أن نفس العمل قد جعل على عهدته، وأما أنه طلب منه إتيانه بنفسه فهو مشكوك، وهو مجرى البراءة، كما في جميع موارد الشك في