وبعبارة أخرى أوضح: إن المكلف به في هذه الصورة الأولى هو إيجاده لطبيعة العمل، فقد لوحظ فيه حيثية انتسابه إلى المأمور ولم يلاحظ فيه جهة صدوره من غيره، بل عد الغير من قبيل الوسيلة والآلة لإيجاده، ومثله في العرف كثير، ولا نبالي بعدم صدق الملاك الذي ذكره بعض الأعاظم (قدس سره) لباب التسبيب، بعد أن كان الأمر في سوق العقلاء وما بينهم بهذه الطريقة.
نعم، هاهنا مطلب آخر، وهو: أنه وإن كان محصل غرض المولى نفس العمل إلا أنه لترفعه، أو لقصور في العبد، أو ملاحظة بعض الجهات، وبالجملة: لجهة مانعة قد لا يطلب من العبد أن يأتي بالعمل إلا حينما كان قادرا بنفسه على إتيانه، فلا يكلفه على التسبيب والاستنابة، ففي هذا الفرض حيث إن غرضه متعلق بنفس الطبيعة فلا محالة يبعثه نحو الطبيعة بلا قيد، إلا أنه يقيد بعثه هذا بحال قدرته، ولازمه أن يكون المكلف في سعة من جهة إتيانه بنفسه أو غيره، وإن كان في حال عجزه غير مكلف بشئ أصلا.
هذا تمام الكلام في الصورة الأولى بحسب مقام الثبوت.
ومنه يظهر حكم الصورة الثانية، فإنها مثل الصورة الأولى في جميع ما ذكرنا، غاية الأمر أن الفعل المكلف به مقيد فيها بقيد كونه له وفعله، الصادق على إتيان المكلف بنفسه وإتيان آخر مكانه وله وعنه.
كما يظهر منه أمر الصورة الثالثة فإنها من جميع الجهات مثل الصورة الأولى، وإنما تفترقان في مالا دخالة له في المأمور به، وهو سقوط الأمر بفعل الغير الذي لم يؤمر به في الأولى دون الثالثة، وإلا فمتعلق التكليف فيهما واحد، كما لا يخفى.
كما أن الصورة الرابعة في متعلق الأمر مثل الثانية، وإن كان في الثانية يسقط الأمر بتبرع الغير وإتيانه عن المكلف دون هذه الصورة.
وكما أن الصورة الخامسة من حيث متعلق التكليف مثل الثالثة، ومن حيث مسقطه مثل الثانية، كما هو ظاهر للمتدبر.
وأما الصورة السادسة فمتعلق التكليف كمسقطه خصوص الفعل الواجد لقيد