فإن تعلق غرض المولى - بحسب الثبوت - بخصوص الفعل الصادر عن اختياره فلا محالة يكون هو المأمور به، ولا يسقط أمره بإتيان غيره.
وأما إذا قام غرضه بنفس الطبيعة التي يصح انتسابها إلى المكلف فهل يصح منه توجيه التكليف والبعث نحوها، أو لابد أن يبعث نحو الطبيعة الصادرة عن اختيار، أو هذه الحصة منها؟
قد يقال بالثاني لأحد وجهين:
الأول: أنه يعتبر في متعلق التكليف إمكان صدوره عن المكلف بالحسن الفاعلي، وذلك أن من شرائط التكليف عقلا الاختيار، فلا محالة فالبعث مختص بحال الاختيار، ومتعلق البعث المجعول في حال الاختيار يكون متقيدا قهرا بوقوعه عن اختيار، فالمكلف به هو الطبيعة المقيدة أو حصتها الصادرة عن اختيار، ولازمه حينئذ إمكان وقوعه حسنا بالحسن الفاعلي.
والثاني: أن حقيقة البعث عرفا هو حث المكلف على الإرادة، ومعلوم أن متعلق الإرادة هو خصوص ما يقع عن اختيار، فالمبعوث إليه أيضا كذلك. هذا.
أقول: وهذان الوجهان أفادهما بعض الأعاظم (قدس سرهم) على ما في تقرير بحثه (1) بعد تصحيح منا لأولهما، حتى لا يرد عليه أن لازمه اعتبار قصد القربة في متعلق كل أمر وبعث.
لكنه يرد عليهما: أن تعلق الإرادة والاختيار بعمل وإن أوجب تخصصه بأنه صدر عن اختيار وإرادة إلا أنه لا يقتضي أن متعلق الإرادة لابد وأن يكون هذه الحصة بحيث يتحصص الكلي أولا ثم تتعلق الإرادة بحصته، بل إرادة المريد واختياره تتعلق بنفس الطبيعة، وبتعلقها يحصل للطبيعة خصوصية، فالمراد نفس الطبيعة بلا قيد، وتعلق الإرادة يوجب تقيدها بقيد صدورها عن الإرادة، فهذا القيد الآتي من قبل تعلق الإرادة لا يقتضي خروج نفس الطبيعة عن تحت قدرته واختياره، بل معنى القدرة على شئ إمكان أن يريده، وإن اقتضى تعلق الإرادة به