إذ لا يحتمل عرفا - في معناه - أن يراد منه رفع ما يلزم من نفس التكليف والإلزام الشرعي، مع مأخوذية المكلفين من الأمة بالغرض المتعلق به إرادة المولى الفعلية، بل بلا شبهة يعلم منه كل أحد أن الشارع - بهذا البيان - في صدد تجويز فعل الحرام المحتمل وترك الواجب المحتمل، وهو مساوق للترخيص في تفويت الغرض أيضا، كما لا يخفى.
وعن الثالث: أولا: بما مر من أن نفس طلب المولى المتقدم على تكليفه الملازم وجوده لصرف التفاته إلى الموضوع أيضا مشمول لحديث الرفع، فتدبر.
وثانيا: بأنه قد وردت أخبار كثيرة بأنه " ما من شئ إلا وفيه كتاب أو سنة " (1). وعليه فما من واقعة إلا ولها حكم شرعي وإن كنا لا نعلمه، ومع عدم العلم به يجري فيه عموم قوله: " رفع مالا يعلمون ".
وفي تقريراته (قدس سره) أيضا: أنه مع الإغماض عن ذلك الوجه فجريان البراءة النقلية - على القول بالأمرين - إنما ينفي وجوب قصد القربة المستفاد من متمم الجعل، واما إثبات أن الباقي واف بالغرض بالأصل المذكور فهو من أظهر مصاديق الأصل المثبت، وهذا بخلاف ما لو قلنا بإمكان أخذه في متعلق الأمر الأول، فإنه عليه يرجع الشك إلى انبساط الأمر عليه - كما في سائر الموارد - فإذا جرت البراءة عنه استفدنا أن الباقي تمام المأمور به، وهو وإن لا يخلو عن واسطة إلا أن خفاء الواسطة بنظر العرف يخرجه عن الأصل المثبت.
وفيه أولا: أنا لا نحتاج إلى احراز أن الباقي واف بالغرض، بل علمنا بتعلق التكليف اجمالا بالباقي يوجب علينا امتثاله، فإذا جرت البراءة عن وجوب هذا المشكوك ثبت أنا لا نعاقب لتركه، وحيث إن احتمال بقاء التكليف أو الغرض المستلزم للعقاب لا يستند إلا إلى وجوبه، فلو فرض أن العقل - لو خلي وطبعه - يحكم بالاشتغال لكنا نستريح إلى الحديث في تركه ونأمن العقاب.