ضرورة أن الأمر المؤكد في التوصليات أيضا لا يقوى عليه، فإن المكلف ربما يعصي فلا يصل المولى إلى غرضه بل المراد به: أنه إذا لم يكن من المكلف عصيان فلا محالة يصل الآمر إلى غرضه، والأمر هاهنا كذلك فإنه إذا أطاع الأمرين اللذين يجب إطاعتهما بحكم العقل لكان موجبا لوصول الآمر إلى غرضه، كما لا يخفى.
والعلامة الميرزا النائيني (قدس سره) اختار عدم سقوط الأمر الأول، وقال ما حاصله إنه إذا كان غرض الآمر لا يحصل بمجرد الإتيان بالمأمور به، بل لابد فيه من ضم قصد التقرب فحينئذ يكون هنا ملاك واحد منشأ لإنشاء أمرين: أحدهما بذات الفعل، والآخر بقصد إتيانه بداعي أمره، وحيث ليس للأمر الثاني إلا نفس ملاك الأمر بالذات، وإنما جئ به لعدم إمكان استيفاء الغرض بأمر واحد فلا محالة يكون الأمر الثاني من قبيل متمم الجعل الأول.
قال: " وتوهم إيكال الأمر بالنسبة لقصد الامتثال إلى حكم العقل لا معنى له، فإن العقل ليس شأنه إلا الإدراك لما يكون، لا الجعل والتشريع، فلا محيص إلا عن أمرين ثانيهما من قبيل متمم جعل الأمر الأول " (1).
أقول: والإنصاف أنه لو كان انتقال الأمر إلى أمرين إنما هو لمجرد أن يتوسل إلى حيلة يصل بها إلى غرضه، بحيث لو كان وصوله إليه بأمر واحد ممكنا لما توسل إليه بأمرين، فحينئذ لما كان لأمريه توجيه إلا مسألة متمم الجعل، وكان المصير إلى تبديل الامتثال أو سقوط الأمر الأول بالمرة، كما ذكرناه خروجا وابتعادا عن واقع الأمر، فإن كلا منهما إنما يصح لو كان للأمر بذات الفعل خالية عن القربة مصلحة مستقلة، فإنه حينئذ يتصور إمكان سقوط أمره وجواز الاكتفاء فيه به، وإلا فإذا كان المفروض وجود ملاك واحد لا يحصل إلا بإتيان العمل بقصد امتثال الأمر فلا محالة يكون الانتقال إلى أمرين إنما هو لأجل عدم إمكان وصوله إلى غرضه بالأمر الأول، فالثاني وسيلة لتحصيل غرض الأمر الأول، لا لتحصيل