أقول: إن ما ذكره هذان العظيمان (قدس سرهما) وإن أمكن إنشاء البعث به، بل ربما كان واقعا في بعض الأحيان إلا أنه ليس شئ منهما أمرا شائعا ذائعا في الاستعمالات.
بل الشائع الذائع توجيه ثالث، وهو أنه لما كان العبيد والمكلفون بمقتضى وجوب العمل بوظائفهم في مقام امتثال أوامر مولاهم، فإذا فرضوا على هذه الحالة صح الخبر عنهم بأنهم يعملون كذا وكذا، إيذانا بأن هذه الأعمال هي وظائفهم فلا محالة يعملونها، ويرشد إليه أن السائلين عن المعصوم (عليه السلام) أيضا كثيرا ما يأتون بالسؤال عن وظيفتهم في قالب الجملة الخبرية، كما في الصحيح المنقول أول المبحث من قوله: " كيف يصنع؟ " يعني أن هذا المكلف المفروض يكون في مقام الامتثال فما هو وظيفته ليعمل به ويصنعه؟ فأجابه الإمام (عليه السلام): بأنه " يصلي في الثوبين جميعا ". والأمر سهل. هذا كله في توجيه كيفية الإفادة.
وأما الجهة الثانية: ففي الكفاية: أن دلالة هذه الجمل على الوجوب آكد، فإن الجزم بالإخبار عن الوقوع إنما يناسب الطلب الإيجابي، إذ الندب لا يناسبه الجزم بالوقوع. قال: ولو أنكر أحد إيجاب هذه النكتة لظهورها فيه فلا أقل من كونها موجبة لتعين محتملاتها إذا كان المتكلم في مقام البيان، ولم ينصب قرينة على الخلاف، لشدة مناسبتها مع إرادة الوجوب (1).
أقول: لا ريب في أن الطلب الندبي أيضا مقتض لتحقق العمل المندوب إليه، كما لا ريب في صحة الإعلام بالمقتضي - بالكسر - في قالب تحقق مقتضاه، وعليه فلا تنحصر النكتة في إرادة الوجوب.
وما أفاده من كونها أنسب بالوجوب فتوجب تعين إرادته مبني على أن من مقدمات انعقاد الإطلاق أن لا يكون هنا قدر متيقن في مقام التخاطب، وقد حققنا في هذا المبحث أن القدر المتيقن الخطابي إذا لم يبلغ مرتبة الانصراف، فوجوده كعدمه غير مانع عن الإطلاق.
فيتحصل: أن سر دلالتها على الوجوب هو عين ما مر في هيئة الأمر: من أن